التفكير الخاطئ إلى مثل هذه المحاولات هو عدم اعتقادهم بوجود عالم خارج عالم المادة والطبيعة ، فلذلك اضطروا إلى أن يضفوا على جميع الحوادث صبغة مادية وانّها نتاجات بشرية نابعة من علل مادية لا غير.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى طائفة من الأنبياء بقوله :
(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ). (١)
وحينئذٍ لا بدّ من معرفة المراد من الوحي في هذه الآية.
إنّ أغلب المفسّرين قالوا : إنّ المراد من الوحي هنا هو الوحي التشريعي الذي ينزل على جميع الأنبياء ليبيّن لهم وظائفهم ووظائف العباد والمهام التي لا بدّ من القيام بها والتي تنظم حياتهم ، وعلى هذا فالآية ناظرة إلى نوع خاص من أنواع الوحي لا إلى جميعها.
نعم ، بالالتفات إلى المباحث السابقة يمكن القول : إنّ للوحي معنىً واحداً لا غير ، وانّه قد استعمل في القرآن الكريم في هذا المعنى الواحد ، وانّ الاختلاف وقع في المتعلّق. ثمّ إنّ الملاك المجوّز لهذا الاستعمال موجود في جميع أنواع الوحي وهو : انّ الجميع تشترك في كونها نوعاً من التعليم الخفي المقترن بالسرعة ، سواء كان الطرف المتلقّي هو الإنسان أو سائر الحيوانات والجمادات ، وسواء كان التعليم يتعلّق بهداية الناس وإرشادهم أو لا ، وسواء كان المعلم الله سبحانه أو غيره. (٢)
__________________
(١). الأنبياء : ٧٣.
(٢). منشور جاويد : ١٠ / ٧٩ ـ ٩٥.