الف : كيف ينسجم العفو مع العصمة؟
ب : كيف يوجه الاعتراض والعتاب الصادر من الله لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟
وللإجابة عن التساؤل الأوّل نقول : إنّ جملة (عَفَا اللهُ عَنْكَ) يمكن أن تفسّر بمعنيين كلاهما ينطبق على قواعد وقوانين اللغة العربية ، ولتعيين أحد المعنيين لا بدّ من وجود قرينة تؤيد ذلك المعنى ، وهذان المعنيان هما :
١. انّها جملة خبرية حاكية عن شمول عفوه سبحانه للنبي في الزمان الماضي ، أي أنّها إخبار عن تحقّق العفو ، كما في قولنا : «نصر زيدٌ عمراً» فإنّها جملة خبرية ولكن لا بمعنى الإخبار عن الماضي ، وإنّما المراد منها الإنشاء وطلب العفو كما في قوله : «أيّدك الله».
فعلى المعنى الأوّل تكون الجملة خبرية والهدف منها هو الإخبار عن تحقّق مفادها ، ففي هذه الصورة تكون الآية ـ بنظر البعض ـ تدلّ تلويحاً على أنّ المخاطب بها قد صدر منه فعل استحق العفو الإلهي ، ولكنّ هذا الاحتمال باطل جداً ولا أساس له من الصحّة ، وذلك لأنّ الإنسان مهما عظم وسمت مرتبته وقداسته وطهارته فإنّه ـ وبالقياس إلى المقام الربوبي ـ يبقى بحاجة إلى العفو الإلهي ، بل كلّما ازداد غناه ازدادت حاجته إلى العفو ، وكلّما ازداد سعيه ازداد ثوابه ، ولا ريب أنّ العارفين والمقرّبين من الله سبحانه حينما ينظرون إلى عظم مسئولياتهم وعظم المقام الربوبي يذعنون بقصور أعمالهم وضآلة عباداتهم وجهودهم ، وحينئذٍ يلجئون وبلا اختيار إلى التضرّع والخشوع وهم ينادونه سبحانه بقولهم : «ما عَبَدْناكَ حَقَّ عِبادَتِكَ» ، فإذا كانت معاصي وذنوب الناس العاديّين تحتاج إلى طلب العفو والمغفرة الإلهية ، فإنّ ترك الأولى من المعصومين والقيام ببعض