إليهما.
وعلى فرض صحة الرواية الأُولى لا بدّ أن يقال :
إنّ الرواية إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان موضع عنايته سبحانه ورعايته ، فلم يكن مسئولاً عن أفعاله وحركاته وسكناته فقط ، بل كان مسئولاً حتى عن نظراته وانقباض ملامح وجهه ، وانبساطها ، فكانت المسئولية الملقاة على عاتقه من أشد المسئوليات ، وأثقلها صدق الله العلي العظيم حيث يقول : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (١).
كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يناجي صناديد قومه ورؤساءهم لينجيهم من الوثنية ويهديهم إلى عبادة التوحيد ، وكان لإسلامهم يوم ذاك تأثير عميق في إيمان غيرهم ، إذ الناس على دين رؤسائهم وأوليائهم ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الظروف يناجي رؤساء قومه إذ جاءه ابن أُم مكتوم غافلاً عمّا عليه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الأمر المهم ، فلم يلتفت إليه النبي ، وجرى على ما كان عليه من المذاكرة مع أكابر قومه.
وما سلكه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن أمراً مذموماً عند العقلاء ، ولا خروجاً على طاعة الله ، ولكن الإسلام دعاه وأرشده إلى خلق مثالي أعلى ممّا سلكه ، وهو أنّ التصدي لهداية قوم يتصورون أنفسهم أغنياء عن الهداية ، يجب أن لا يكون سبباً للتولّي عمّن يسعى ويخشى ، فهداية الرجل الساعي في طريق الحق ، الخائف من عذاب الله ، أولى من التصدي لقوم يتظاهرون بالاستغناء عن الهداية وعمّا أنزل إليك من الوحي ، وما عليك بشيء إذا لم يزكّوا أنفسهم ، لأنّ القرآن تذكرة فمن شاء ذكره (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (٢).
__________________
(١). المزمل : ٥.
(٢). الغاشية : ٢١ ـ ٢٢.