والمشقات ، وليس
كل خيبة تتوجه إلى الإنسان ناشئة من الذنب المصطلح ، كما أنّه يحتمل أن يكون
المراد منه هو الفساد ، وبذلك فسر ابن منظور المصري في لسانه قوله سبحانه : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)
أي فسد عليه عيشه ، ولا شك أنّ العيش في الجنّة لا يقاس بالعيش في عالم
المادة الذي هو دار الفساد والانحلال.
ولو سلم أنّ الغي
بمعنى الضلال في مقابل الرشد ، لكن ليس كل ضلال معصية ، فإنّ من ضل في طريق الكسب
أو في طريق التعلّم يصدق عليه أنّه غوى : أي ضل ، ولكنه لا يلازم المعصية.
وكان سيدنا
الأُستاذ العلّامة الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ يقول في مجلس بحثه : إنّ لفظة «غوى»
تعني الحالة التي تعرض للغنم عند ما تنفصل عن القطيع فتبقى حائرة تنظر يميناً
وشمالاً ولا تشق طريقاً لنفسها ، وكان آدم أبو البشر حائراً بعد ما خالف نهي ربِّه
وابتلي بما ابتلي به لا يدري كيف يعالج مشكلته ، وكيف يتخلّص من هذا المأزق الحرج؟!
وبالجملة : فالغي
إن أُريد منه الخروج عن جادّة التوحيد ، والانحراف عمّا رسم للإنسان من الواجبات
والمحرمات ، فهو يلازم الكفر تارة والذنب أُخرى ، ولكن ليس كل ضلال ـ على فرض كون
الغي بمعنى الضلال ـ ملازماً للجرم والذنب ، فمن ضل عن الطريق وتاه عن مقاصده
الدنيوية أو المصالح التي يجب أن ينالها ، يصدق عليه أنّه «غوى» مقابل أنّه «رشد»
ولكنه لا يلازم المعصية المصطلحة.
ولا شك أنّ آدم
بعد ما أكل من الشجرة بدت له سوأته وخرج من الجنة وهبط إلى دار الفساد ، فعندئذ
غوى في طريقه وضل عن مصلحته.
__________________