ذكر وجوهاً في إبطال الحديث كشف بها عن سوأته ، كما هو عادته في كلِّ مسألة تفرّد بالتحذلق فيها عند مناوأة فِرق المسلمين ، ونحن نذكرها مختصرةً ونجيب عنها :
الوجه الأوّل : أنَّ قصّة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حجّة الوداع ، وقد أجمع الناس علىٰ هذا ، وفي الحديث : أنَّها لَمّا شاعت في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح بمكّة ، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة فالمفتعِل للرواية كان يجهل تاريخ قصّة الغدير.
الجواب :
أوّلاً : ما سلف ـ في رواية الحلبي في السيرة (١) ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة (٢) ، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العُلىٰ ـ من أنَّ مجيء السائل كان في المسجد ـ إن أُريد منه مسجد المدينة ـ ونصَّ الحلبي علىٰ أنَّه كان بالمدينة ، لكن ابن تيميّة عزب عنه ذلك كلّه ، فطفِق يُهملج في تفنيد الرواية بصورة جزميّة.
ثانياً : فإنّ مفاضاة الرجل عن الحقائق اللغويّة ، أو عصبيّته العمياء التي أسدلت بينه وبينها ستور العمىٰ ورّطته في هذه الغمرة ، فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكّة ، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان ، والأدب لَوجد فيها نصوص أربابها بأنّ الأبطح : كلُّ مسيل فيه دِقاق الحصىٰ ، وقولهم في الإشارة إلىٰ بعض مصاديقه : ومنه بطحاء مكّة ، وعَرف أنَّه يطلق علىٰ كلِّ مسيل يكون بتلك الصفة ، وليس حِجْراً علىٰ أطراف البلاد وأكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.
روى البخاري في صحيحه (٣) ( ١ / ١٨١ ) ، ومسلم في صحيحه (٤) ( ١ / ٣٨٢ ) عن
___________________________________
= الحنفي ـ المتوفّىٰ ( ٨٤١ ) ـ بتبديعه ثمّ تكفيره ، ثمّ صار يصرّح في مجلسه : إنَّ من أطلق القول على ابن تيميّة أنَّه شيخ الإسلام ، فهو بهذا الإطلاق كافر. ( المؤلف )
(١) و (٢) السيرة الحلبية : ٣ / ٢٧٤ ، تذكرة الخواص : ص ٣٠.
(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٥٥٦ ح ١٤٥٩.
(٤) صحيح مسلم : ٣ / ١٥٤ ح ٤٣٠ كتاب الحجّ.