الاختيارية بالرب تعالى ، ويسمونها مسئلة حلول الحوادث ، وحقيقتها إنكار أفعاله وربوبيته وإرادته ومشيئته.
المذهب السادس : مذهب الكرامية (١) وهو أنه متعلق بالمشيئة والقدرة قائم بذات الرب تعالى وهو حروف وأصوات مسموعة ، وهو حادث بعد إن لم يكن ، فهو عندهم متكلم بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن متكلما ، كما يقوله سائر فرق المتكلمين أنه فعل بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن فاعلا ، كما ألزموا به الكرامية في مسئلة الكلام ، فهو لازم لهم في مسئلة الفعل ، والكرامية أقرب إلى الصواب منهم ، فإنهم أثبتوا كلاما وفعلا حقيقة قائمين بذات المتكلم الفاعل وجعلوا لهما أولا ، فرارا من القول بحوادث لا أول لها ، ومنازعوه أبطلوا حقيقة الكلام والفعل ، وقالوا لم يقم به فعل ولا كلام البتة. وأما من أثبت منهم معنى قائما بنفسه سبحانه ، فلو كان ما أثبته مفعولا لكان من جنس الإرادة لم يكن شيئا خارجا عنهما ، فهم لم يثبتوا لله كلاما ولا فعلا ، وأما الكرامية فإنهم جعلوه متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، كما جعله خصومهم فاعلا بعد أن لم يكن فاعلا.
المذهب السابع : مذهب السالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة وأهل الحديث أنه صفة قائمة بذات الرب تعالى لم يزل ولا يزال ، لا يتعلق بقدرته ومشيئته ، ومع ذلك هو حروف وأصوات ، وسور وآيات ، سمعه جبرائيل منه ، وسمعه موسى بلا واسطة ، ويسمعه سبحانه من يشاء ، وإسماعه نوعان : بواسطة وبغير واسطة ومع ذلك فحروفه وكلماته لا يسبق بعضها بعضا. بل هي مقترنة الباء مع السين مع الميم في آن واحد ، لم تكن معدومة في وقت من الأوقات ، ولا تعدم بل لم تزل قائمة بذاته سبحانه قيام صفة الحياة والسمع والبصر وجمهور العقلاء قالوا : تصور هذا المذهب كاف في الجزم ببطلانه.
__________________
(١) وهم أتباع محمد بن كرّام السجستانى ، واختلفوا في ضبط إكرام ، والأكثرون على أنه بفتح الكاف وتشديد الراء ، وانظر في شأن هذه الفرقة : «الملل والنحل» (١ / ١٠٨) للشهرستانى ، و «الفرق بين الفرق» الفصل السابع من الباب الثالث.