يقولوا لقائل عملت كذا وكذا بيدي : هو بمعنى النعمة إذا كان الله خاطب العرب بلغاتها وما تجده مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها ، وإذ لا يجوز في خطابها أن يقول القائل فعلت بيدي ويعني النعمة ، بطل أن يكون معنى بيدي النعمة ـ وساق الكلام في إنكار هذا التأويل وأطاله جدا وقرر أن لفظ اليدين على حقيقته وظاهره ، وبين أن اللغة التي أنزل بها القرآن لا تحتمل ما تأولت الجهمية.
وقال لسان أصحابه وأجلهم ابن الطيب في كتاب «التمهيد» وهو أشهر كتبه : فإن قال القائل فما الحجة في أن لله وجها ويدين (قيل له) قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، فأثبت لنفسه وجها ويدين ، فإن قالوا : بم أنكرتم أن يكون المعنى خلقت بيدي إنه خلقه بقدرته أو بنعمته ، لأن اليدين في اللغة تكون بمعنى النعمة وبمعنى القدرة ، كما يقال لفلان عندى يد بيضاء ، وهذا شيء في يد فلان وتحت يده ، ويقال رجل أيد إذا كان قادرا ، كما قال تعالى : (خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) يريد عملنا بقدرتنا وقال الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
وكذلك قوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) يعني بقدرته ونعمته ، قال : فيقال له هل هذا باطل إذ قوله (بيدي) يقتضي إثبات يدين هما صفة له ، فلو كان المراد بهما القدرة لوجب أن يكون له قدرتان ، وأنتم تزعمون أن لله تعالى قدرة واحدة ، فكيف يجوز أن يجوز أن تثبتوا قدرتين ، وقد أجمع المسلمون المثبتون للصفات والنافون لها على أنه لا يجوز أن يكون لله تعالى قدرتان ، فبطل ما قلتم.
وكذلك لا يجوز أن يكون خلق الله آدم بنعمتين ، لأن نعم الله تعالى على آدم وغيره لا تحصى ، لأن القائل لا يجوز أن يقول رفعت الشيء أو وضعته بيدي أو توليته بيدي وهو يريد نعمته ، وكذلك لا يجوز أن يقال لي عند فلان يدان يعني نعمتين ، وإنما يقال لي عنده يدان بيضاوان ، ولأن فعلته بيدي لا يستعمل إلا في اليد التي هي صفة الذات.
ويدل على فساد تأويلهم أيضا أنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يغفل عن ذلك