العرب الذين قال الله فيهم : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) (الفرقان : ٦٠) فأنكروا حقيقة اسمه الرحمن أن يسمى بذلك ، ولم يكونوا ينكرون ذاته وربوبيته ، ولا ما يجعله المعطلة معنى اسم الرحمن من الإحسان ، فإن أحدا لم ينكر إحسان الله إلى خلقه.
فإن قيل : فلو كان هذا كما ذكرتم لأنكروا اسم الرحيم لأن المعنى واحد.
قيل : إنما لم ينكروا الرحيم لأن ورود الرحمن في أسمائه أكثر من ورود الرحيم (١).
ولهذا قال : (الرحمن على العرش استوى / ثم استوى على العرش الرحمن / إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن / رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن / الرحمن علم القرآن) (طه : ٥ ، الفرقان : ٥٩ ، مريم : ٤٥ ،
__________________
(١) قال ابن التين : «الرحمن والرحيم» مشتقان من الرحمة ، وقيل هما اسمان من غير اشتقاق ، وقيل : يرجعان إلى معنى الإرادة ، فرحمته إرادته تنعيم من يرحمه ، وقيل : راجعان إلى تركه عقاب من يستحق العقوبة.
وقال الحليمى : معنى «الرحمن» أنه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وأنذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة ، قال : ومعنى «الرحيم» أنه المثيب على العمل فلا يضيع العامل أحسن عملا ، بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله.
وقال الخطابي : ذهب الجمهور إلى أن «الرحمن» مأخوذ من الرحمة مبنى على المبالغة ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ، ولذلك لا يثنى ولا يجمع ، واحتج له البيهقي بحديث عبد الرحمن بن عوف ، وفيه : «خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي».
قلت : وكذا حديث الرحمة الذي اشتهر بالمسلسل بالأولية ، أخرجه البخاري في «التاريخ» وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ : «الراحمون يرحمهم الرحمن» ... الحديث.
ثم قال الخطابي : «فالرحمن» ذو الرحمة الشاملة للخلق ، «والرحيم» فعيل بمعنى فاعل وهو خاص بالمؤمنين ، قال تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).
وقال : «الرحمن» خاص في التسمية عام في الفعل ، و «الرحيم» عام في التسمية خاص في الفعل ا ه بتصرف نقلا من «الفتح» (٣ / ٣٧١).