نعم هاهنا قسم آخر مما يدعى فيه حذف المضاف وتقديره كقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) أى أمره (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (البقرة : ٢١٠) أي أمره وقوله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) (النحل : ٢٦) أي أمره ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «ينزل ربنا كل ليلة» (١) وأمثال ذلك. فهذا قد ادعى تقدير المضاف فيه ، ولكن دعوة مجردة مستندة إلي قاعدة من قواعد التعطيل ، وهي إنكار أفعال الرب تعالى ، وأنه لا يقوم به فعل البتة ، بل هو فاعل بلا فعل ، وأما من أثبت أن الرب فاعل حقيقة ، وأنه يستحيل أن يكون فاعلا بلا فعل ، ويستحيل أن يكون الفعل عين المفعول ، بل هي حقائق معتبرة فاعل وفعل ومفعول. هذا هو المفعول في فطر بنى آدم فإنه لا يحتاج إلى هذا التقدير ولا يجوزه ، فإن حذفه يكون من باب التلبيس ويرفع الوثوق بكلام المتكلم ، ويوقع التحريف ، فإنه لا يشاء أحد أن يقدر مضافا يخرج به الكلام عن مقتضاه إلا فعل ، وارتفع الوثوق والفهم والتفهيم فيقدر الملحد في قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (الحج : ٧) مضافا تقديره أرواح من في القبور ، وفي قوله تعالى (يُحْيِ الْمَوْتى) (الحج : ٦) ، أي أرواح الموتى وقوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران : ٩٧) وأمثال ذلك مما يقدر فيه مضاف يخرج الكلام عن ظاهره.
فهذا مما ينبغى التنبه له ، وأنه ليس كل موضع يقبل تقدير المضاف ، ولا كل ما قبله جاز تقديره حتى يكون في الكلام ما يدل على التقدير دلالة ظاهرة ، ولا توقع اللبس بحيث لا يجد السامع بدا من التقدير كما يقول القائل : سافرنا في الثريا أي في نوئها ، وجلسنا في الشمس ، أي في حرها ، وهذا مما يعلم بالسياق ، فكأنه مذكور لم يفت إلا التلفظ به. ومثل هذا لا يقال أنه مجاز ، فإن اللفظ بمجموعه دال على المراد ، والمتكلم قد يختصر ليحفظ كلامه ، وقد يبسط ويطيل ليزيد في الإيضاح والبيان ، والإيجاز والاختصار ، والإسهاب
__________________
(١) تقدم تخريجه مرارا.