(من دخل الجنة لا يخرج منها بعكس النار)
يوضحه : أن الله تعالى قيد دار العذاب ووقتها بما لم يقيد به دار النعيم وبوقتها ؛ فقال تعالى في دار العذاب : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (النبأ : ٢٣) وقال : (النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام : ١٢٨) ، فقيدها بالمشيئة وأخبر أن ذلك صادر عن حكمته وعلمه وقال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ، إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٦ ـ ١٠٧) وأما الجنة فأنه أخبر ببقاء نعيهما ودوامه وأنه لا نفاد له ولا انقطاع ؛ فقال : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) (الرعد : ٣٥) ، وقال : (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) (ص : ٥٤) ، وأما النار فغاية ما أخبر به عنها أن أهلها لا يخرجون منها ، وأنهم خالدين فيها ما هم منها بمخرجين ، وهذا مجمع عليه بين أئمة الإسلام ، وهو معلوم بالضرورة أن الرسول جاء به ، ولكن الكلام في مقام آخر أن النار أبدية لا تفنى أصلا ، كما أن الجنة كذلك ؛ فهذا الذي تكلم فيه الصحابة والتابعون ومن بعدهم.
قال حرب في «مسائله» : سألت إسحاق عن قول الله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قال : أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن. قال إسحاق : حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال : قال أبي : حدثني أبو نضرة عن جابر وأبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قال : هذه الآية تأتي على القرآن كله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٧٠) قال المعتمر قال أبى : كل وعيد في القرآن. وقال ابن جرير في «تفسيره» : حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن التميمي عن أبيه عن أبي نضرة عن جابر وأبي سعيد. وعن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) قال : هذه الآية تأتي على القرآن كله حيث يقول في القرآن (خالِدِينَ فِيها) تأتى عليه.