(فإن قلتم) وإن لم
يلزم التشبيه لكن يلزم التجسيم (قيل) انفصلوا أولا عن قول المعطلة للصفات : لو كان
له سمع أو بصر أو حياة أو علم أو قدرة أو كلام لزم التجسيم. فإذا انفصلتم منهم ؛
فإن أبيتم إلا الجواب قيل لكم ، ما تعنون بالتجسيم؟ أتعنون به العلو على العالم
والاستواء على العرش ، وهذا حاصل قولكم؟ وحينئذ فما زدتم على إبطال ذلك بمجرد
الدعوى التي اتحد فيها اللازم والملزوم بتقرير العبارة : وكأنكم قلتم : لو كان فوق
العالم مستويا على عرشه لكان فوق العالم ، ولكنكم لبستم وأوهمتم.
وإن عنيتم بالجسم
المركب من الجواهر الفردة. فجمهور العقلاء ينازعونكم في إثبات الجواهر الفردة فضلا
عن تركيب الأجسام من ذلك ، فأنتم أبطلتم هذا التركيب الذي تدعيه الفلاسفة ، وهم
أبطلوا التركيب الذي تدعونه من الجواهر الفردة ، وجمهور العقلاء ابطلوا هذا وهذا.
فإن كان هذا غير لازم في الأجسام المحسوسة المشاهدة ؛ بل هو باطل فكيف يدعى لزومه
فيمن ليس كمثله شيء. وإن منيتم بالتجسيم تميز شيء منه عن شيء قيل لكم انفصلوا أولا
عن قول نفاة الصفات : لو كان له سمع وبصر وحياة وقدرة لزم أن يتميز منه شيء عن شيء
وذلك عين التجسيم ؛ فإذا انفصلتم عنه أجبناكم بما تجيبونهم به ؛ فإن أبيتم إلا
الجواب منا ؛ قلنا لكم : إنما قام الدليل على إثبات إله قديم عنى بنفسه عن كل ما سواه
، وكل ما سواه فقير إليه. وكل أحد محتاج إليه. وليس محتاجا إلى أحد ؛ ووجود كل أحد
يستفاد منه ، ووجوده ليس مستفادا من غيره ؛ ولم يقم الدليل على استحالة تكثر أوصاف
كماله وتعدد أسمائه الدالة على صفاته وأفعاله ، بل هو إله واحد ورب واحد. وإن
تكثرت أوصافه وتعددت أسماؤه.
* * *