زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) (المجادلة : ١) (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن : ٢٩) وهذا عند النفاة لا حقيقة له. بل الشئون للمفعولات. وأما هو فله شأن واحد قديم. فهذه الأدلة السمعية وأضعاف أضعافها مما يشهد به صريح العقل ؛ فإنكار ذلك وإنكار تكثر الصفات وتعدد الأسماء هو أفسد للعقل والنقل وأفتح باب المعارضة.
الوجه السادس والأربعون : أن يقال لهؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم : إن من أئمتكم من يقول : إنه ليس في العقل ما يوجب تنزيه الرب سبحانه عن النقائص ، ولم يقم على ذلك دليل عقلي أصلا ، صرح به الرازي ؛ وتلقاه عن الجوني وأمثاله ، قالوا : وإنما نسيا عنه النقائص بالإجماع ؛ وقد قدح الرازي وغيره من النفاة في دلالة الإجماع ، وبينوا أنها ظنية لا قطعية ، فالقوم ليسوا قاطعين بتنزيه الله عن النقائص بل غاية ما عندهم في ذلك الظن.
فيا أولى الألباب ؛ كيف تقوم الأدلة القطعية على نفي صفات الله ونعوت جلاله وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ؛ وتكلمه بالقرآن حقيقة وتكلمه لموسى ، حتى يدعى ان الأدلة السمعية على ذلك قد عارضها صريح العقل ، وأما تنزيهه عن العيوب والنقائص فلم يقم عليه دليل عقلي ولكن علمناه بالإجماع ، وقلتم إن دلالته ظنية؟ ويكفيك في فساد عقل معارض الوحي إنه لم يقم عنده دليل عقلي على تنزيه ربه عن العيوب والنقائص.
الوجه السابع والأربعون : إن الله تعالى جعل بعض مخلوقاته عاليا على بعض ولم يلزم من ذلك مماثلة العالي للسافل ومشابهته له ، فهذا الماء فوق الأرض ، والهواء فوق الماء ، والنار فوق الهواء ، والأفلاك فوق ذلك. وليس عاليها مماثلا لسافلها. والتفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم من التفاوت الذي بين المخلوقات ، فكيف يلزم من علوه تشبيهه بخلقه.