العرب العاربة والعبرانيين الأجلاف لسارعوا إلى العناد ، واتفقوا على أن الإيمان المدعو إليه إيمان بمعدوم لا وجود له أصلا ، ولهذا [كل ما ورد] في «التوراة» تشبيها كله ، ثم أنه لم يرد في «الفرقان» من الإشارات إلى هذا الأمر الاهم شيء ، ولا إلى تصريح ما يحتاج إليه في التوحيد بيان مفصل ، بل أتى بعضه على سبيل التشبيه في الظاهر ، وبعضه جاء تنزيها مطلقا عاما جدا لا تخصيص ولا تفسير له. وأما الآحاد التشبيهية فأكثر من أن تحصى ولكن أبى القوم إلا أن يقبلوها.
فإذا كان الأمر في التوحيد هذا ؛ فكيف بما بعده من الأمور الاعتقادية؟
ولبعض الناس أن يقول : إن للعرب توسعا في الكلام ومجازا ، وإن الألفاظ التشبيهية مثل الوجه واليد والإتيان في ظل الغمام ، والمجيء والذهاب والضحك والحياء صحيحة ولكن مستعملة استعارة ومجازا. قال : ويدل على استعمالها غير مجازية ولا مستعارة أن المواضع التي يوردونها حجة في أن العرب تستعمل هذه المعاني بالاستعارات والمجاز على غير معانيها الظاهرة مواضع مثلها يصلح أن تستعمل على غير هذا الوجه ولا يقع فيه تلبيس.
وأما قوله في (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) ، وقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) (الأنعام : ١٥٨) على القسمة المذكورة وما جرى مجراه ـ فليس تذهب الأوهام فيه البتة إلى أن العبارة مستعارة أو مجازية ، فإن كان أريد فيها ذلك إضمارا فقد رضي بوقوع الغلط والتشبيه والاعتقاد المعوج بالإيمان بظاهرها تصريحا.
وقوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح : ١٠) وقوله : (ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (الزمر : ٥٦) فهو موضع الاستعارة والمجاز والتوسع في الكلام ، ولا يشك في ذلك اثنان من فصحاء العرب ، ولا تلبيس على ذي معرفة في لغتهم ، كما تلتبس في تلك الأمثلة ، فإن هذه الأمثلة لا يقع شبهة أنها مستعارة مجازية ، كذلك في تلك لا يقع شبهة في أنها ليست استعارية ولا مجازية ، ولا يراد فيها شيء غير الظاهر.
ثم هب أن هذه كلها موجودة على الاستعارة ، فأين التوكيد والعبارة المشيرة