يتصرف بنفسه ، ولا يفعل شيئا ولا يتكلم ، ولا له وجه ولا يد ولا قوة ، ولا فضيلة من الفضائل. أنه لا شبه له ولا مثل له ؛ وأنه وحيد دهره ، وفريد عصره ، ونسيج وحده؟ هل فطر الله الأمم وأطلق ألسنتهم ولغاتهم إلا على ضد ذلك؟ وهل كان رب العالمين أهل الثناء والمجد إلا بأوصاف كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه الحسنى؟ وإلا فلما ذا يثني عليه المثنون ؛ ولأى شيء يقول أعرف الخلق به «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ومعلوم أن هذا الثناء الّذي أخبر أنه لا يحصيه لو كان بالنفي لكان هؤلاء أعلم به منه وأشد إحصاء له ؛ فإنهم نفوا عنه حقائق الأسماء والصفات نفيا مفصلا. وذلك يحصيه المحصي بلا كلفة ولا تعب. وقد فصله النفاة وأحصوه وحصروه. يوضحه :
الوجه الرابع والثلاثون : إن الله سبحانه لما نفى عن نفسه ما يناقض الإثبات ويضاد ثبوت الصفات والأفعال ؛ فلم يبق الأمر عدميا أو ما المستلزم العدم ؛ كنفي السّنة والنوم المستلزم لعدم كمال الحياة والقيومية ، ونفي العزوب والخفاء المستلزم لنفي كمال القدرة. ونفي الظلم المستلزم لعدم كمال الغنى والعدل ، ونفي الشريك والظهير والشفيع المتقدم بالشفاعة المستزلم لعدم كمال الغنى والقهر والملك ؛ ونفي الشبيه والمثيل والكف المستلزم لعدم الكمال المطلق ونفي إدراك الأبصار له وإحاطة العلم به المستلزمين لعدم كمال عظمته وكبريائه وسعته وإحاطته. وكذلك نفي الحاجة والأكل والشرب عنه سبحانه ؛ لاستلزام ذلك عدم كمال غناه ؛ وإذا كان نفى عن نفسه العدم أو ما يستلزم العدم ؛ علم أنه أحق بكل وجود وثبوت لا يستلزم عدما ولا نقصا.
وهذا هو الذي دل عليه صريح العقل ؛ فإنه سبحانه له الوجود الدائم القديم الواجب بنفسه الذي لم يستفده من غيره ؛ ووجود كل موجود مفتقر إليه ؛ ومتوقف في تحقيقه عليه ، والكمال وجود كله ؛ والعدم نقص كله. فإن العدم كاسمه لا شيء ؛ فعاد النفي الصحيح إلى نفي المماثلة في الكمال وعاد الأمران إلى نفي النقص. وحقيقة ذلك نفي العدم وما يستلزم نفي العدم. فتأمل هل نفى القرآن والسنة عنه سبحانه سوى ذلك؟ وتأمل ؛ هل ينفي العقل الصحيح غير ذلك.