ومما يوضحه أن
القدرة على الشيء قدرة على مثله وعلى ضده عند الخصم فلو كانت الحركة الأولى تحدث
بإحداثه لكان قادرا على مثلها أو على ضدها مثل ما قدر على الأولى ولكانت الحركات
لا تختلف أصلا عند اجتماع الدواعي .
المسلك الثاني لهم
في إثبات الفعل للعبد إيجادا قولهم التكليف متوجه على العبد بافعل ولا تفعل فلم
تخل الحال من أحد أمرين إما أن لا يتحقق من العبد فعل أصلا فيكون التكليف سفها من
المكلف ومع كونه سفها يكون متناقضا فإن تقديره افعل يا من لا يفعل وأيضا فإن
التكليف طلب والطلب يستدعي مطلوبا ممكنا من المطلوب منه وإذا لم يتصور منه فعل بطل
الطلب وأيضا فإن الوعد والوعيد مقرون بالتكليف والجزاء مقدر على الفعل والترك فلو
لم يحصل من العبد فعل ولم يتصور ذلك بطل الوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب فيكون
التقدير افعل وأنت لا تفعل ثم إن فعلت ولن تفعل فيكون الثواب والعقاب على ما لم
يفعل وهذا خروج عن قضايا الحس فضلا عن قضايا المعقول حتى لا يبقى فرق بين خطاب
الإنسان العاقل وبين الجماد ولا فصل بين أمر التسخير والتعجيز وبين أمر التكليف
والطلب.
قالوا : ودع
التكليف الشرعي أليس المتعارف منا والمعهود بيننا مخاطبة بعضنا بعضا بالأمر والنهي
وإحالة الخير والشر على المختار وطلب الفعل الحسن والتحذير عن الفعل القبيح ثم
ترتيب المجازات على ذلك ومن أنكر ذلك فقد خرج عن حد العقل خروج عناد فلا يناظر إلا
بالفعل مناظرة السفسطائية فيشتم ويلطم فإن غضب بالشتم وتألم باللطم وتحرك للدفع
والمقابلة فقد اعترف بأنه رأى من المعامل شيئا ما وإلا فما باله غضب وتألم منه
وأحال الفعل عليه وإن تصدّى للمقابلة فقد اعترف بأنه رأى من المعامل فعلا يوجب
الجزاء والمكافأة.
والجواب عن ذلك من
وجهين أحدهما : الإلزامات على مذهبهم ، والثاني : التحقيق على موجب مذهبنا.
الأول أن نقول :
عيّنوا لنا ما المكلف به وما المطلوب بالتكليف فإن إجمال القول بأن التكاليف متوجه
على العبد ليس يغني في تقدير أثر القدرة الحادثة وتعيينه.
فإن قلتم :
المطلوب والمكلف به هو الوجود من حيث هو وجود فذلك محل التنازع وكيف يكون الوجود
هو المطلوب والوجود من حيث هو وجود لا يختلف في
__________________