العقل عليه وهو أن العبد إذا كان مصدقا بقلبه مخبرا عن تصديقه بلسانه مطيعا لله تعالى في بعض ما أمره به عاصيا له في البعض استحق المدح بقدر ما أطاع واللوم بقدر ما قد عصى في الحال واستحق الثواب بقدر الإيمان والطاعة والعقاب بقدر العصيان في المآل ثم يبقى أن يتعارض أمران أحدهما أن يثاب أولا ثم يعاقب مخلدا أو بالعكس وليس في الفضل والعدل القسم الأول فإن رحمة الله أوسع من ذنوب الخلق وفضله أرجى من العمل ولا تنقصه المغفرة ولا تضره الذنوب ولأن الإيمان والمعرفة أحق بالتخليد عدلا وعقلا من معصية مؤقتة ولأنه لم يؤثر أنّ أحدا يخرج من الجنة إلى النار فبقي القسم الثاني وشفاعة النبي عليهالسلام وقد وردت سمعا حيث قال : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».
وما تمسكوا به من الآيات فمخصوصات عموماتها محمولة على الاستحلال وظواهرها معارضة بآيات دلت على ذلك منها قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، ومنها قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : ٥٣] ، وإن خص هذا العام بالتوبة من غير دلالة التخصيص فخص تلك العمومات بحال الاستحلال في كل آية دليل على التخصيص ، وأما قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) [النساء : ١٤] ، فمعناه يكفر به ورسوله لأنه قرنه بقوله : (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) [النساء : ١٤] ، وتعدي جميع الحدود لا يتصور إلا من الكافر وأما المؤمن المطيع لله عزوجل سبعين سنة كيف يكون متعديا جميع الحدود بمعصية واحدة وكذلك قوله : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) [البقرة : ٨١] ، أي شركا بدليل قوله : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) [البقرة : ٨١] ، والإحاطة من كل وجه لا يتصور في حق المؤمن لأنه بإيمانه منع الإحاطة من كل وجه وقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) [النساء : ٩٣] ، فمعناه مستحلا قتله لأن العمدية المطلقة من كل وجه لا تتصور إلا من الكافر ودليله آخر الآية من التشديد في العقاب والتغليظ بالغضب واللعن وذلك الاتفاق غير مطلق على القاتل الذي لا يستحل الدم وهو خائف وجل وذكر حال الأشقياء والسعداء مقصور على مآل الحال