الكفار حتى قالت يسلب اسم الإيمان عمن ترك طاعة واحدة وكلا المذهبين مردود.
أما الأول فيرفع معظم التكاليف من الأوامر والنواهي ويفتح باب الإباحة ويفضي إلى الهرج وإذ ورد في الشرع بذلك كله وربط بكل حركة من حركات الإنسان حكما بحكم أنه إن لم تضره المعاصي لم تنفعه الطاعات وأنه إن لم يكن مؤاخذا بترك ما أمر به لم يكن مثابا بامتثال ما أمر.
وأما المذهب الثاني فيرفع معظم الآيات من الكتاب والأخبار والسنة وتغلق باب الرحمة ويفضي إلى اليأس والقنوط وإذ ورد في الكتاب في كم آية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٧٧] ، ففرق بين لفظ الإيمان والعمل واعلم أن الإيمان له حقيقة والعمل له حقيقة غير الإيمان وخاطب في كم آية الفاسقين بخطاب المؤمنين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ١٠٤] ، لا تفعلوا كذا ، علم بذلك قطعا أن الإيمان لو كان هو العمل بعينه أو كان العمل ركنا مقيما بحقيقة الإيمان لما ميز بهذا التمييز وأيضا فيلزم الوعيدية أن لا يوجد مؤمن في العالم إلا نبي معصوم إذ لا عصمة لغير الأنبياء ويلزم أن لا يطلق اسم الإيمان على أحد حتى يستوفي جميع خصال الخير عملا وفعلا فيكون اسم الإيمان موقوفا على العمل في المستأنف فهؤلاء مرجئة الإيمان عن العمل وأولئك مرجئة العمل عن الإيمان فعلم قطعا أن العمل غير داخل في الإيمان ركنا مقوما له حتى يقال بعدمه يكفر ويخرج عن الإيمان في الحال ويعذب ويخلد في النار في ثاني الحال وغير خارج عن الإيمان تكليفا لازما له حتى يقال بعدمه لا يستحق لوما وزجرا في الحال ولا استوجب عقابا وجزاء في المآل والقول بأن المعاصي تحبط الطاعات ليس بأولى من القول بأن الطاعات ترفع المعاصي ومن قال صاحب الكبيرة يخلد في النار بشرط تخفيف العذاب عليه بسبب تصديقه قولا وعقدا وطاعته المحبطة يعارضه قول المرجئ تخليد في الجنة بشرط حطه على درجة المطيعين بسبب إيمانه وسائر طاعاته والطاعات لو أحبطت كيف أثرت في التخفيف والتخفيف كيف يتصور مع التخليد والتخليد كيف يجوز في العدل على علم مقدر بوقت بل وتخليد الكافر في النار متى كان عدلا عقليا وهو لم يكفر إلا مائة سنة فهلا تقدر التعذيب بمائة سنة أفمن غصب مائة دينار وأخذ منه مائتي دينار كان عدلا قال هو على اعتقاد أنه لو بقي أبد الدهر بقي على الكفر قيل واعتقاد إنه يعمل غير اعتقاد أن عمل أليس من غصب مائة دينار على اعتقاد أن لو ظفر لم يؤاخذ بالألف كذلك فيما نحن فيه فالعدل المعقول إذا ما ورد الشرع به والحكم المشروع ما دل