أرسله (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣] ، فإذا أتى بذلك لم ينكر شيئا مما جاء به وأنزل به فهو مؤمن فإن وافاه الموت على ذلك كان مؤمنا عند الله وعند الخلق وإن طرأ عليه ما يضاد إيمانه ذلك والعياذ بالله حكم عليه بالكفر عند ذلك وإن اعتقد مذهبا يلزمه من حكم مذهبه مضادة ركن من هذه الأركان لم يحكم بكفره مطلقا بل ينسب إلى الضلالة والبدعة ويكون حكمه في الآخرة موكولا إلى الله تعالى تخليدا في النار أو تأقيتا.
والدليل على ما ذكرناه أنا بالتواتر المفضي إلى اليقين علمنا أن النبيصلىاللهعليهوسلم لما أظهر الدعوة دعا الناس إلى كلمتي الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله ونعلم قطعا أنه لم يرض منهم في هذه الشهادة بمجرد القول مع إضمار خلافه في القلب إذ قرر لهذا المعنى قوما سماهم منافقين وسماهم الكتاب بذلك مع نفي الإيمان عنهم كما قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٨] ، ونسبهم إلى الكذب وسماهم كاذبين في غير آي من الكتاب (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] والكرامي يشهد أن المنافقين لصادقون فقد علم من ذلك قطعا أن التصديق بالقلب ركن وهو الركن الأعظم إذ الإقرار باللسان يعبر عنه ونعلم قطعا أن النبيعليهالسلام كما لم يرض منهم بمجرد القول ما لم يقترن به عقد لم يكلف جميع الخلق معرفة الله تعالى كما هو لأن ذلك غير مقدور للخلق وأقرب دليل على ذلك أنه تعالى يعلم جميع معلوماته على التفصيل ويعلم أنه يخلق جميع مخلوقاته على التفصيل ويعلم جميع مراداته من الخلق وللخلق وليس يعلم العبد ذلك ولا يقدر أن يعلم ولم يكلف إلا أن يعرف أنه لا إله إلا الله وتكون معرفته مستندة إلى دليل جلي كما ورد به التنزيل وإلا فتكليف ذلك شطط لا يستطاع فثبت القول والعقد مصدرا ومظهرا وقد يكتفي بالمصدر في القلب إذا لم يقتدر على الإتيان بالإقرار باللسان لكن في حكم الله تعالى الإشارة في حق الآخرين تنزل منزلة العبارة في حق الناطق وقصة الخرساء «أعتقها فإنها مؤمنة» دليل على صحة ما ذكرناه في أصل الإيمان وقدره بقي كون العمل ركنا أو واجبا تابعا.
فتقول المرجئة بإرجاء العمل كله عن القول والعقد حتى قالت لم يضر العبد إن لم يأت بطاعة واحدة.
وتقول الوعيدية بكونه ركنا من الأركان إن العبد تخلده الكبيرة في النار مع