نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [النحل : ٨٣] ، والأنبياء خيرة الله في خلقه وحجة الله على عباده والوسائل إليه وأبواب رحمته وأسباب نعمته (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج : ٧٥] ، (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) [آل عمران : ٣٣] الآية ، فكما يصطفيهم من الخلق قولا بالرسالة والنبوة يصطفيهم من الخلق فعلا بكمال الفطرة ونقاء الجوهر وصفاء العنصر وطيب الأخلاق وكرم الأعراق فيرقيهم مرتبة مرتبة حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة وكملت قوته النفسانية وتهيأت لقبول الأسرار الإلهية بعث إليهم ملكا وأنزل عليهم كتابا ولا تظن أن الملك يتجسد شخصا بمعنى أن يتكاثف بعد ما كان جسما لطيفا تكاثف الهواء اللطيف غيما كما ظنه قوم ولا أنه تعدم حقيقته ويوجد شخص آخر ولا أنه تنقلب حقيقته إلى حقيقة أخرى فإن كل ذلك محال بل الجواهر النورانية خصت بقوة الظهور بأي شخص أرادوا كما قال تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] ، وكما قال (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] ، ولا نجد له مثالا في هذا العالم إلا تمثل تعلق أرواحنا بأجسادنا غير أن التمثل يستدعي شخصا كاملا في الحال والتعلق يستدعي شخصا يتكون مرتبة فمرتبة سلالة ونطفة وعلقة ومما نذكره مثالا تمثل المعنى الذي في الذهن بالعبارات التي في اللسان وبالكتابة التي في اللوح غير أن اللفظ دليل على المعنى وكل دليل مظهر المعنى من وجه وكل مظهر دال على المعنى من وجه من غير حلول الأعراض في الجواهر ولا نزول الأجسام على الأجسام وإن تخطيت منه إلى ظهور صورة الشخص في المرآة الصقيلة ووقع الظل على الماء الصافي قارنت المعنى مثالا وإدراكا.
ألستم تقولون معاشر الصابئة المحيلين نزول الروحاني على الجسماني إن كل روحاني له هيكل يظهر به ويتصرف فيه ويستوي عليه وكل هيكل في العالم العلوي له شخص في العالم السفلي يظهر به ويتصرف فيه ويستوي عليه غير إنكم اتخذتم بصنعتكم أصناما آلهة وهي مظاهر تلك الهياكل التي هي مظاهر تلك الروحانيات.
ونحن معاشر الحنفاء أثبتنا أشخاصا ربانية مفطورة بوضع الخلقة على اصطفاء من الجواهر واجتباء من العنصر مناسبة لتلك الجواهر الروحانية مناسبة النور للنور والظل للظل وللنبي عليهالسلام طرفان بشرية ورسالية (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ