والقبح من حيث العادة ويثبت الحسن والقبح من حيث التكليف.
وأما ما ذكروه من رفع المعاني المعقولة في مجاري الحركات التكليفية والأحكام الشرعية فذلك لعمري مشكل في المسألة.
والجواب عنه من وجهين أحدهما أن نقول ما من معنى يستنبط من فعل وقول لربط حكم إلا ومن حيث العقل يعارضه معنى آخر يساويه في الدرجة أو يفضل عليه في المرتبة فيتحير العقل في الاختيار إلى أن يرد شرع يختار أحدهما اعتبارا فحينئذ يجب على العاقل اعتباره واختياره.
ونضرب له مثلا فنقول إذا قتل إنسان إنسانا مثله فيعرض للعقل الصريح هاهنا آراء مختلفة كلها متعارضة أحدها أن يقتل به قصاصا ردعا للعاتي من كل مجترئ وفيه استبقاء نوع الإنسان وتشف للغيظ من كل قريب وفيه استطابة نفس الإنسان ويعارضه معنى آخر وهو أنه إتلاف في مقابلة إتلاف وعدوان بإزاء عدوان ولا يحيا الأول بقتل الثاني وإن كان في الردع إبقاء بالتوقع والتوهم ففي القصاص إهلاك الشخص بناجز الحال والتحقيق وربما يعارضه معنى ثالث وراءهما فيفكر العقل أيراعي شرائط أخرى سوى مجرد الإنسانية من العقل والبلوغ والعلم والجهل أم من الدين والطاعة أم من النسب والجوهر ، فيتحير العقل كل التحير فلا بد إذا من شارع يقرر من المعاني ما وجب على العبد وحيا وتنزيلا وأنها كلها رجعت إلى استنباط عقلك ووضع ذهنك من غير أن كان الفعل مشتملا عليها فإنها لو كانت صفات نفسية لاشتملت حركة واحدة على صفات متناقضة وأحوال متنافرة ، وليس معنى قولنا : إن العقل يستنبط منها أنها كانت موجودة في الشيء يستخرجها العقل بل العقل تردد بين إضافات الأحوال بعضها إلى بعض ونسب الأشخاص والحركات نوعا إلى نوع وشخصا إلى شخص فطري مثله من تلك المعاني ما حكيناه وأحصيناه وربما يبلغ إلى ما لا يحصى فعرف بذلك أن المعاني لم ترجع إلى الذوات بل إلى مجرد الخواطر الطارئة على العقل وهي متعارضة.
والجواب الثاني : أن نقول لو كان الحسن والقبح والحلال والحرام والوجوب والندب والإباحة والحظر والكراهة والطهارة والنجاسة راجعة إلى صفات نفسية للأعيان أو الأفعال لما تصور أن يرد الشرع بتحسين شيء وآخر بتقبيحه ولما تصور نسخ الشرائع حتى يتبدل حظر بإباحة وحرام بحلال وتخير بوجوب ولما كان اختلفت الحركات بالنسبة إلى الأوقات تحريما وتحليلا أليس الحكم في نكاح الأخت للأب والأم في شرع أبينا آدم عليهالسلام بخلاف الحكم في الجمع بين الأختين المتباعدتين