يكون اختلافها بالنوع أم الاختلاف راجع إلى المدركات والإحساس بها بمعنى واحد ، وهذا الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة.
قال المتكلمون : الحواس الخمس مشتملة على إدراكات خمس تختلف أنواعها وحقائقها والإنسان يجد من نفسه أنه يرى ببصره ويسمع بأذنه كما يجد أنه يعلم بقلبه فالبصر محل الرؤية والأذن محل السمع كالقلب هو محل العلم وكما يجد التفرقة بين العلم والإدراك يجد التفرقة بين محل العلم ومحل الإدراك ولأن الذي يدرك ببصره من المرئي هو الألوان والأشكال فيستدعي ذلك مقابلة ومواجهة فالذي يدرك بسمعه من المسموع هو الأصوات والحروف ولا يستدعي ذلك مقابلة ، وكذلك المشموم والمذوق والملموس يستدعي اتصال الأجسام ولا يستدعيه السمع والبصر ، فلذلك يجوز أن يوصف الباري تعالى بأنه سميع بصير ولا يجوز أن يوصف بأنه شام ذائق لامس وكذلك لا يجوز أن يسمع الشيء من حيث يبصر ويبصر من حيث يسمع فدل ذلك على أن الإدراكات مختلفة الحقائق والمحال جميعا وهذا كله على رأي من يفرق بين الإدراك والعلم ، فأما من قضي بأن الإدراك علم قضى باتحاد المحل والحقيقة (١).
سوى أبي الحسن الأشعري فإنه يقول كل إدراك علم على قول ولا يقول كل علم إدراك بل الإدراك علم مخصوص فإنه يستدعي تعيين المدرك ويتعلق بالموجود فقط والوجود هو المصحح بخلاف العلم المطلق فإنه لا يستدعي تعيين المدرك ولا يتعلق بالموجود من حيث هو موجود بل يتعلق بالمعدوم والموجود والواجب والجائز والمستحيل ، لكن من الإدراكات ما هو علم مخصوص كالسمع والبصر وتردد رأيه في سائر الإدراكات أهي علوم مخصوصة أم إدراكات ورأي بعض أصحابه أنها إدراكات أخر ، وليس الوجود بمجرده مصححا لها فقط بل الاتصال فيها شرط فلا يتصور شم إلا باتصال أجزاء من المتروح أو من الهوى إلى المشام وكذلك الذوق واللمس لا يتصور وجودهما إلا باتصال جرم بجرم.
وقالت الفلاسفة : يرتسم في الحواس الظاهرة بصور صورة تفيض عليها من واهب الصور عند استعدادات تحصل فيها بمقابلة الحاس والمحسوس ثم قد تكون تلك الصورة نفس الإدراك وقد يكون الإدراك شيء آخر دون تلك الصورة كمقابلة المرئي من الألوان والأشكال في الرطوبة الجليدية من العين التي تشبه البرد والجمد فإنها مثل مرآة فإذا قابلها متلون انطبع مثل صورته فيها كما ينطبع مثل صورة الإنسان في المرآة
__________________
(١) انظر : مقالات الإسلاميين (ص ٣٨٤).