[الأعراف : ١٠٢] ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [السبأ : ١٣] ، فكيف يستمر لكم معاشر الفلاسفة إن الشر في العالم بمطلقه لا يوجد وبأكثره لا يتحقق وقد صادفتم الوجود على خلاف ما قررتم ، فاعتبروا النفوس الإنسانية والغالب على أحوالها من العلم والجهل وعلى أخلاقها من الحسن والقبيح وعلى أقوالها من الصدق والكذب وعلى أفعالها من الشر والخير تعلمون أن الشر في العالم الجسماني أغلب وأكثر خصوصا في النفوس الإنسانية وبالجملة فحيث ما وجدنا الفطرة والتقدير الإلهي غالبا على الاختيار والاكتساب البشري كان الغالب هو الخير والصلاح ، وحيث ما وجدنا الاختيار والاكتساب غالبين كان الغالب هو الشر والفساد ، فعاد الأمر إلى أن لا شر في الأفعال الإلهية ، فإن وجد فيها شر فبالإضافة إلى شيء دون شيء وإنما يدخل الشر في الأفعال الإنسانية الاختيارية وهي أيضا من حيث إنها تستند إلى إرادة الباري سبحانه خير ومن حيث إنها تستند إلى اكتساب العبد تكتسب اسم الشر ، غير أن الشرائع قد وردت بإثبات الشياطين وإثبات رأسهم إبليس اللعين وليس يمكن إنكار ذلك بعد ثبوت الصدق في أقوالهم وأخبارهم بالبينات الواضحة والمعجزات الباهرة وقد اعترف بوجودها قدماء الحكماء قالوا ما من شيء جزئ في العالم إلا ويتحقق له في عالم آخر أمر كلي فبالحرارة الجزئية استدل على نار كلية وبالعقل الجزئي يستدل على عقل كلي وكذلك ساير الأمور فالبشر الجزئي في العالم يستدل على شر كلي وكذلك أثبت المجوس وأصحاب الاثنين للعالم أصلين هما منبع الخير والشر والنفع والضر وهم النور والظلمة كما سبق ذكر مذاهبهم ، وقد استوفيناها في كتابنا الموسوم بالملل والنحل وبالجملة الفلاسفة منازعون في ثلاثة أحوال : أولها نفي محض موجود وهو أصل الشر بالذات لا بالعرض والثاني كون الخير في النوع الإنساني أكثر وأغلب ، والثالث : إثبات موجودات لا مستند لها على طريق الإيجاد بالذات وبالقصد الأول وما لم تثبت هذه الأصول لم يتم لهم ما ذكروه والله أعلم وأحكم.
القول في الكلام حصرناه في ثلاث قواعد إحداها : إثبات كون الباري تعالى متكلما بكلام أزلي ، والثانية : في أن كلامه واحد ، والثالثة : في حقيقة الكلام شاهدا وفي أحكامه.