العقلي في الذات والصفات وهذا كله محال.
وساعدهم جماعة من الفلاسفة المعطلة في إلزام هذه الكلمات وزادوا عليهم بأن قالوا قام الدليل على أن واجب الوجود مستغن على الإطلاق من كل وجه فمن أثبت له صفة لذاته أزلية معنى وحقيقة قائمة بذاته فقد أبطل الاستغناء المطلق من الصفة والموصوف جميعا وأثبت الاحتياج والفقر في الصفة والموصوف جميعا أما الصفة فاحتاجت في وجودها إلى ذات تقوم بها ، إذ يجب أن تقول قام العلم بالباري واستحال أن تقول قام الذات بالعلم وأما الموصوف فإنما يتم كماله في الإلهية إذا قامت به هذه الصفات حتى لولاها لما كان إلها مستغنيا على الإطلاق فإذا المستغني على الإطلاق لا يكون إلا واحدا من كل وجه ولا كثرة فيه من وجه.
قالت الصفاتية : كما أنكرتم إثبات صفات أزلية أنكرنا عليكم إثبات موصوف بلا صفة إنكارا بإنكار واستبعادا باستبعاد وتقسيمكم إنها عين الذات أم غير الذات إنما يصح إذا كان التقسيم دائرا بين النفي والإثبات فإن من قال هذا عينه وهذا غيره قد يعني به أنهما شيئان فهذا شيء وذاك شيء آخر وقد يعني به أنهما شيئان ويجوز وجود أحدهما مع عدم الثاني أو مع تقدير عدم الثاني ونحن لا نسلم أن الصفات أغيار ولا نقول إنها عين الذات لأن حد الغيرين عندنا هو المعنى الثاني لا المعنى الأول ثم إن جاز لمثبتي الأحوال القول بأن الحال لا موجودة ولا معدومة جاز لمثبتي الصفات القول بأن الصفات لا عين الذات ولا غير الذات على أن كل حقيقة التأمت من أمرين محققين في الشاهد مثل الإنسانية فإنها التأمت من حيوانية وناطقية عند القوم فإذا قيل الناطقية عين الإنسانية أو غيرها لم يصح بأنها لا عينها ولا غيرها وكذلك جزء كل شيء لا عينه ولا غيره ثم هب أنا نسلم الغيرية بالمعنى الأول فقولكم إن كانت قديمة أوجب أن تكون إلها دعوى مجردة بل هو محل النزاع وقولكم القدم هو أخص وصف الإله دعوى لا برهان عليها فإن معنى الإلهية هو ذات موصوفة بصفات الكمال فكيف نسلم أن كل صفة أزلية إله ثم من قال القدم أخص الأوصاف فيجب أن يبين أعم الأوصاف فإن الأخص إنما يتصور بعد الأعم فما الأعم فإن كان الوجود هو الأعم والقدم هو الأخص فقد التأمت حقيقة الإلهية من أعم وأخص فالأخص عين الأعم أو غيره ويلزم على مساق ذلك ما ألزمتموه على الصفات.
وأما قولكم : إن الصفات لو قامت بذاته تعالى لاحتاجت إليها وكان حكمها حكم الأعراض وكان وجود الموصوف أسبق وأقدم بالذات على وجود الصفة فهذا مما يستحق أن يجاب عنه.