الاستدلال إمّا أن يكون بالكلي على الجزئي ، وهو القياس ، وعُرّف بأنّه قولٌ مؤلف من قضايا ، متى سلّمت ، لزم عنه ـ لذاته ـ (١) قولٌ آخر. كما إذا سلّمنا الصغرى : «العالم متغيّر» ، والكبرى : «كل متغيّر حادث» ، فإنّه يلزم عنه ـ لذاته ـ قول آخر وهو : «العالم حادث».
وإمّا بالجزئي على الكلّي ، وهو الاستقراء ، وهو إثبات الحكم الكلي ، لثبوته في جزئياته ، إمّا كلها فيفيد اليقين ، أو بعضِها ولا يفيد إلّا الظن ، لجواز أن يكون ما لم يستقرئ على خلاف ما استقرأ ، كما يقال : «كلُّ حيوان يحرّك عند المضغ فكّه الأسفل» ، لأنّ الإنسان والفرس وغيرهما ممّا نشاهده كذلك ، مع أنّ التمساح بخلافه.
وإمّا بالجزئي على الجزئي ، وهو التمثيل ، ويسمّيه الفقهاء قياساً ، وهو مشاركة أمر بأمر في علة الحكم (٢).
ونخص الكلام في المقام بالقياس ، فنقول :
إنّ القياس يتألف من هيئة ومادّة ، وقد بحث المنطقيون عن كل واحد منهما في فصول خاصة.
أمّا بالنسبة إلى الهيئة ، فينقسم إلى الأشكال الأربعة المعروفة. وذلك أنَّ الحدّ الأوسط، إمّا أن يكون محمولاً في الصغرى وموضوعاً في الكبرى ، أو يكون محمولاً فيهما ، أو موضوعاً فيهما ، أو موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى. فالأول هو الشكل الأول ، والثاني هو الثاني ، والثالث الثالث ، والرابع الرابع.
وأمّا بالنسبة إلى المادة ، فله أقسام خمسة :
١. البرهان ، وهو القياس المفيد تصديقاً جازماً ، وكان المطلوب حقّاً واقعاً.
__________________
(١). يخرج بهذا القيد قياس المساواة ، كقولنا : زيد يساوي عمراً في الطول ، وعمرو يساوي بكراً في الطول ، فالنتيجة أنّ زيداً يساوي عمراً في الطول ، فإن صدق النتيجة ليس لذات القياس ، بل لمقدمة خارجة عنه ، معلومة سابقاً وهي أنّ مساوي المساوي مساوٍ ، في الكميات.
(٢) سيأتي بيان كل من الاستقراء والتمثيل على حدة ، عند البحث عن أدوات المعرفة.