في جمود قرائحهم ،
وخمود طاقاتهم ، لما وقعوا فيه من إسارة التبعية والتقليد ، حتّى أنَّك ترى الشاب
الشرقي يستدلّ على كل شيء بأقوال الغربيين ، ولا يُفْسح المجال لعقله ليتفحص عن
صدقه أو كذبه.
و ـ المادية في الأخلاق
: إنّ من المستحيل الفصل والتفكيك بين طريقة سلوك الفرد في حياته ، وطريقة تفكيره
، لأنّ بين العمل والفكر رابطة وثيقة ، فما يفكر به المرء ينعكس على عمله ، وما
يعمله ويصرّ عليه يؤثّر في تفكيره أيضاً.
صحيح أنّ من
الأفكار ما لا تأثير له على السلوك ، كالعلوم الرياضية والجغرافية مثلاً ، بيد أنّ
هناك من الأفكار ما يستحوذ على وجود الإنسان بأسره. ويَصْبَغ سلوكه ، ويحدد مسيرته
في الحياة. وذلك مثل معرفة الله والإيمان بوجوده ، فإنّ هذه المعرفة ليست مجرّد
أفكار خاوية معزولة عن واقع الحياة ، لا شأن لها في السلوك ولا تأثير لها في
الأخلاق والعمل ، بل هي معرفة تجرُّ وراءها أفكاراً ومعارف أُخرى تؤدّي بالإنسان
إلى اتّخاذ مواقف معينة في الحياة.
فمن يعتقد بوجود
الله تعالى ، ويؤمن بذلك يقيناً ، يجرّه هذا الاعتقاد حتماً إلى الاعتقاد بأنّه
سبحانه خالق حكيم ، وقادر عليم ، خلق الحياة والكون لغرض وهدف ، وأوجد الإنسان
لغاية وحكمة ، فلم يتركه سدى ، بل ألزمه بفرائض ، ونهاه عن أُمور. وهكذا ، في ضوء
هذه الأفكار المتلاحقة المترابطة ، ينتهي المرء إلى أنّ يغيّر أسلوبه في الحياة ،
وينحو منحًى يناسب تلك المعارف ، وتمليه عليه تلك الأفكار.
وهكذا العمل ،
فإنّه يعمّق هذا الاعتقاد ويزيد من قوته في النفس ، ويعمّق آفاق المرء وإدراكاته
في ذلك البُعد. فإذا تَرَكَ العمل بمقتضى اعتقاده ، ضَمُرَ ذلك الاعتقاد في وجوده
، وضاقت آفاقه ، واختفى من قلبه شيئاً فشيئاً.
إن وزان العقيدة
والعمل الصالح ، وزان الجذور والسيقان والأغصان في الشجر. فكما أنّ تقوية الجذور
مؤثرة في قوة الساق والأغصان ، وكمال الشجرة ، وجَوْدة ثمارها ، فكذلك تهذيب الساق
والأغصان ورعايتها ، بقطع الزوائد عنها ، وتعريضها لنور الشمس ، مؤثّر في قوة
الجذور.
إنّ الّذي ينطلق
في ميادين الشهوات بلا قيود ، ويمضي في إشباع غرائزه إلى