الحق ، فإنّما يصحّ في القسم الثاني ـ على ما سنشرحه ـ لا الأول. فإنّ لغلبة فرد أو طائفة أو دولة على مثلها عوامل كثيرة لا صلة لها بالحق والباطل. نعم ، إذا كان اقتفاء منهج سبباً لغلبة أصحاب المنهج الآخر ، فهذا من آيات أحقيّة المنهج الغالب وبطلان المنهج المغلوب ، كما يشير إليه قوله تعالى : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١) ، وإليك البيان :
نحن نرى في الحياة أنّ طائفة تثور على طائفة أُخرى وتتغلّب عليها ، وقد يتصور الإنسان الساذج أنّ الغلبة هنا ، غلبة منهاج على منهاج ، ولكن كثيراً ما يتفق أن يكون من قبيل غلبة طائفة على طائفة من دون أن يكون لأيّ المنهجين اللّذين تتبناهما أو تنسب إليهما كل طائفة ، أدنى دخالة في تلك الغلبة والمغلوبية. ولأجل إيضاح الحال نمثّل بمثالين :
المثال الأوّل : كان الصراع بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومعاوية ، صراعاً عنيفاً ، استمرّ عدّة سنين ، وانتهى بانتصار جيش معاوية ، وانهزام جيش علي عليهالسلام (٢). ولا ريب أنّ علياً كان على الحق ، ومعاوية على الباطل حيث تمرّد على وصي النبي أوّلاً ، ومُنْتَخَب المهاجرين والأنصار ثانياً ، فكيف تُفَسَّر إذن هذه الغلبة؟
إنّ هذه الغلبة لم تكن غلبة منهج على منهج ، بل كانت من قبيل غلبة طائفة على طائفة ، وهناك فروض متعددة يمكن الاستعانة بها على تفسير هذه الغلبة ، مثل أن يقال : إنّ الشاميين تغلبوا على العراقيين ، أو إنّ العراقيين ، لتخلّفهم عن منهاج الإمام علي عليهالسلام ، حالفتهم الهزيمة. والوقائع التاريخية تشهد على ذلك ، كيف وقد كان علي عليهالسلام يشتكي من أهل العراق تخاذلهم عنه ، وتقاعسهم عن حقّه.
يقول عليهالسلام في إحدى خُطَبه لهم : «إنّي والله لأَظنُّ أنّ هؤلاء القوم
__________________
(١) الإسراء : ٨١.
(٢) لقد كان عليٌّ عليهالسلام يخبر عن النتيجة المرّة قبل وقوعها ، نظير قوله في إحدى خطبه : «أما والله ليسلطنّ عليكم غلام ثقيف ، الذيّال الميّال ، يأكل خَضِرَتَكُمْ ، ويزيل شَحْمَتَكُمْ» لاحظ نهج البلاغة ، الخطبة ١١٦.