كما أنّ البحث عن عوارض الموجود الحيّ المادي ، سواء أكان راجعاً إلى الإنسان أم الحيوان أم النبات ، بحث علمي طبيعي. وهكذا كل الأبحاث العلمية الّتي تأخذ لنفسها موضوعاً ماديّاً وتبحث عن عوارضه ، فهي كلها بحوث علمية حتّى ولو انتزع من الكل قانون عام يشمل أكثر العلوم أو جميعها ، كالتكامل ، فإنّه نتيجة العلوم المتنوعة ، وليس نتيجة العلوم إلّا نفس العلوم لا غير.
وأمّا المسائل الفلسفية فهي عبارة عمّا يأخذ لنفسه موضوعاً عامّاً غير متقيّد بحيثية طبيعية أو تعليمية ، بل تبحث عن الموجود بما هو هو ، فتقول :
الموجود إمّا واجب ، أو ممكن.
والممكن إمّا جوهر ، أو عرض.
والجوهر إمّا نفس ، أو عقل ، أو جسم ، أو صورة ، أو هيولى.
والعرض إمّا كم ، أو كيف ، أو وضع ، أو فعل ، أو انفعال ، أو أين ، أو متى ، أو ملك ، أو إضافة.
إلى غير ذلك من التقسيمات الواردة على الموجود من حيث هو هو ، حتّى قولنا : الموجود إمّا علة أو معلول ، وغير ذلك من الأحكام العارضة على الموجود من حيث هو هو ، من دون أن يتقيّد بحيثية طبيعية أو تعليميّة.
وبذلك تظهر رئاسة المسائل الفلسفية على العلوم لأنّ العلوم في إثبات موضوعاتها ، محتاجة إلى الفلسفة ، كإثبات الكم في الحساب والهندسة ، كما يظهر أن تغير العلوم وتبدل الفروض العلمية لا يغيّر شيئاً في المسائل الفلسفية فإنّ قولنا : كل ممكن يحتاج إلى علّة ، أو : إنّ واجب الوجود غني عن العلّة ، مسائل ثابتة لا يزعزعها تغيّر الفروض العلمية وتبدّلها.
نعم ، مَنْ جعل المسائل الفلسفية منتزعة من العلوم ، جعلها مسائل متزلزلة غير يقينية لتبعيّتها لمسائل العلوم الّتي هي بدورها في مهبّ التغيّر والتبدّل.
* * *