فإذا تحققت هذا
فالذي لا يخلو عنه الجسم هو الكون المطلق الحاصل حالة حدوثه ، وما عداه فقد تقدم
الجسم عليه وإن أمكن الاستدلال به على حدوث الجسم ؛ لأن الجسم لم يسبقه إلا بوقت
واحد ، وقد خالف في ذلك فرقة من الفلاسفة فقالوا بالأكوان وأنها محدثة ، إلا أنهم
قالوا : إن أصل العالم متغير عنها ثم حصلت بعد ذلك.
وقالوا
: إن هيولى الجسم
قديمة خالية عن العرض حتى حلتها الصورة ، ويريدون بالهيولى أصل الشيء المنزّل
منزلة الطين من اللّبن ، وبالصورة ما يحصل من التركيب المنزل منزلة التربيع منه.
قلنا
: إن الجسم لا يحصل
إلا في جهة بالضرورة فيما نشاهده وبجامع التحيز فيما غاب عنا ، ولسنا نعني بالكون
أكثر من حصوله في الجهة ، ولكن التسمية تغير عليه فيسمى سكونا إن لبث به الجسم
أكثر من وقت واحد ، أو حركة إذا انتقل به ، واجتماعا إذا وجد مع الجوهر غيره وكان
بالقرب منه ، وافتراقا إذا كان ذلك الغير بالبعد منه.
وأما قولهم :
بالهيولى والصورة فإنه باطل ؛ لأنهما غير معقولين ولا طريق إليهما ، ولأنهما إذا
كانا قديمين غير متحيزين لم يكن أحدهما بأن يكون هيولى والآخر صورة ، ولا بأن يكون
حالا والآخر محلا أولى من العكس لاشتراكهما في القدم.
وأما
الدعوى الرابعة (و) هي : (أن ما لم يخل من المحدث ولم يتقدمه في الوجود فهو محدث) فقيل العلم بها ضرورة ، وقال بعض العلماء : بل هي
استدلالية فتحتاج إلى النظر والاستدلال.
وزعم ابن الراوندي
والفلاسفة : أنّ الجسم قديم وهو لم يخل من الأعراض المحدثة بأن يحصل في الجسم
حادث قبله حادث إلى ما لا أول له ، والجسم وإن قارن جملة
__________________