فذكر تعالى أنّ للقرآن وجودا علويا غيبيا غير ما تنزّل منه ، لا يصل إلى حقيقته وحقائق ذلك الوجود غير المطهّرين ـ بصيغة الجمع ـ من هذه الأمّة ، وهم الموصوفون بالطهارة في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١).
وكذلك قال تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(٢).
وقد اعترف الفخر الرازي ـ وإن لم تكن أهمّية لاعترافه فأهمّية القرآن ذاتية ـ أنّ الآية دالّة على وجود شخص في زمن لا يزل ولا يخطأ يكون شاهدا على أمّة كلّ قرن (٣) ، وإلّا فكيف يكون شاهدا وهو مشهود عليه بالذنب أو الضلالة ؛ كما تبيّن الآية من سورة العنكبوت : (بَلْ هُوَ) ـ أي الكتاب أو القرآن ـ (آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤) ومثله قوله تعالى في سورة الرعد : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٥) وغيرها من آيات الثقلين وأنّهما مقترنان معا لا يفترقان.
والحاصل أنّ آية الاعتصام تنبّأ بملحمة مهمّة ، وهي : أنّ ضعف وذلّ هذه الأمّة لفرقتها لا يزول بغير الاعتصام بحبل الله ، وهما الثقلان : الكتاب والعترة ، وبذلك تتحقّق الوحدة. وقد أشارت الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام بنت المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى هذه الملحمة القرآنية في خطبتها :
فجعل الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ... وطاعتنا نظاما للملّة وإمامتنا أمانا
__________________
(١). الأحزاب / ٣٣.
(٢). النحل / ٨٩.
(٣). انظر : التفسير الكبير ـ ذيل الآية ٨٩ من سورة النحل.
(٤). العنكبوت / ٤٩.
(٥). الرعد / ٤٣.