الأوّل : وجدك ضالّا في أمر الدنيا وتصرف المعاش فيها ومخالطة الخلق.
الثاني : وجدك غافلا عن وصول مقام النبوّة إليك لقوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (١) (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ) (٢) والضلال يستعمل في ذلك لقوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (٣)
الثالث : ضالّا في طريق مكّة عن الهجرة.
الرابع : ضالّا في شعاب مكّة أيام جدّك عبد المطلب ، حين (٤) خرجت عنه فردّك إليه عدوّك أبو جهل ، وهذه نعمة يمنّ بها.
الخامس : وجدك ضالّا حين خرجت مع عمّك أبي طالب عليهالسلام إلى الشام في ليلة ظلماء ، فأخذ إبليس (٥) بزمام ناقتك وعدل (٦) بك عن الطريق ، فجاء جبرائيل عليهالسلام فنفخه نفخة وقع منها إلى الحبشة ، وردّك إلى عمّك (٧).
__________________
(١) يوسف ١٢ : ٣.
(٢) الشورى ٤٢ : ٥٢.
(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.
(٤) حتّى ـ خ : (آ).
(٥) فجاء إبليس وأخذ ـ خ : (آ).
(٦) فعزل بها ـ خ : (آ).
(٧) التحقيق أن يقال : ووجدك ضالّا فهدى. المراد بيان حال النبيّ صلىاللهعليهوآله في نفسه مع قطع النظر عن هداية الله تعالى له ، فلا هدى له صلىاللهعليهوآله ولا لأحد من الخلق إلّا بالله سبحانه ، فقد كانت نفسه في نفسها ضالّة وإن كانت الهداية الإلهيّة ملازمة لها منذ وجدت وخلقت ، فالآية في معنى قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) الشورى ٤٢ : ٥٢ يعني أوحينا إليك الروح بأمر من عندنا فأنت تدري بسببه الكتاب والايمان وتدعو الناس إليهما ، وهما ليسا ممّا أدركته بنفسك وأبديته بعلمك ، بل أمر من عندنا منزل إليك بوحينا ، ولو لا وحينا إليك الروح لما كنت تدري بنفسك ذاتا ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن أوحينا إليك الروح بأمر من عندنا منذ وجدت نفسك فمنذ وحينا إليك ـ الروح ـ أنت عالم بالكتاب والإيمان فإنّ العلم بهما ملازم وحينا إليك الروح.
فالآية لا نظر فيها إلى قبل البعثة وبعدها ، وإنّما هي مسوقة لبيان أنّ ما عنده صلىاللهعليهوآله الذي يدعو الناس إليه إنّما هو من عند الله سبحانه لا من قبل نفسه المقدّسة ، فإنّها في نفسها لا علم لها ولا هداية فيها بذاتها بل حصل لها العلم بالكتاب والإيمان بسبب وحي الله تعالى الروح إليها.