ثمّ الحسن والقبح (١) قد يراد بهما ملائمة الطبع وعدمها وكون الشيء صفة كمال أو صفة (٢) نقص ، ولا خلاف في كونهما عقليين ، وقد يراد بهما استحقاق المدح والذمّ عاجلا والثواب والعقاب آجلا ، فعند الأشعري شرعيان والحكمان معلومان بالعقل العملي ؛ إذ عليهما مدار مصالح العالم ، وعند العدلي ، منهما عقلي ضروري كشكر المنعم وحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضارّ ، ونظري كحسن الصدق الضارّ وقبح الكذب النافع ، وغير عقلي كحسن صوم آخر رمضان وقبح ما بعده.
ونبّه على الضروري باتّفاق العقلاء على حسن ما ذكر وقبحه ، وليس ذلك بالشرع وإلّا لما حكم به البراهمة (٣) ولا بالطبع ؛ لأنّ الطباع مختلفة وأنّ كثيرا من الأمور ينفر منها طبع إنسان ويميل إليها طبع غيره مع الاتّفاق على الحكم بما ذكرناه ، فلم يبق إلّا أن تكون أحكاما عقلية وليست نظرية وإلّا لما حكم به العوامّ ، وبأنّ العاقل يختار الصدق على الكذب عند تخييره فيهما حال استوائهما عنده ، فلو لا تقرّر حسن الصدق وقبح الكذب عنده لما اختار الأوّل.
وحصول التفاوت بين هذه القضايا وبين سائر البديهيات إن سلّم ؛ فلمقولية الضرورة على ما تحتها بالتفاوت ككون الواحد نصف الاثنين ونصف عشر العشرين ، فإنّ الحكم فيهما ضروريّ مع أنّ الأوّل أجلى.
ومن هنا نشأ اختلاف العقلاء فيما ذكرناه.
وأمّا النظري فلأنّه لمّا كان الحسن والقبح لازمين لمطلق الصدق والكذب كما قرّرناه (٤) كانا لازمين للصدق الضارّ والكذب النافع ؛ لكون المطلق جزء من المركّب ، ولازم الجزء لازم للكلّ.
__________________
(١) والقبيح ـ خ : (د).
(٢) صفة هي كمال أو نقص ـ خ : (د).
(٣) كما أنّ أهل الجاهلية يحكمون بالحسن والقبح ، وهم غير قائلين بالشرائع ، فلو لم يكونا عقليين لما حكموا بذلك.
(٤) كما ذكرناه ـ خ : (آ).