الجائز أن تكون له
ثمرة أخرى. وعند ذلك فلا يكون عبثا ولا متناقضا ، كما في هذه الصور. ولهذا قال بعض
الأصحاب : إنه لو علم من أحد من الأمة ، أنه لو كلف بخصلة من خصال الخير لم يأت
بها ، ولو ضوعفت عليه لم يقصر عنها ، فإنه إذا أمر بالضعف كان أمرا صحيحا وإن لم
يكن ما أمر به مرادا ، وذلك على نحو أمر النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج بالصلوات. هذا كله إن قيل برعاية الصلاح ،
وإلا فلا حاجة إلى هذا التكليف ولا غرض في هذا التعبد. وما قيل من أنه يفضي إلى
التكليف بما لا يطاق فذلك مما لا نأباه وسنبين وجه جوازه فيما بعد إن شاء الله.
وما أشير إليه ،
من الظواهر الدالة على نفي الإرادة والرضى للقبح والفساد ، مما لا يسوغ التمسك بها
، في مسائل الأصول ، إذ هي مع ما يقابلها من ظواهر أخرى ممكنة التأويل ، جائزة
التخصيص ، والمقطوع لا يستفاد من المظنون. كيف وأن القول بموجبها متجه هاهنا؟
فإننا لا نعترف بأن إرادته ورضاه مما يتعلق بالمعاصي على اختلاف أصنافها ، إذ هي
من حيث هي شرور ومعاص أمور إضافية ، لا ذوات حقيقة ، كما سنبين ، والإرادة لا
تتعلق بها ، إنما تتعلق بها من حيث الحدوث والتجدد كما سبق. ومن تمسك بهذه القاعدة
استغنى عن التأويل بطريق التفصيل ، كيف وأنا سنقرر قاعدة في معنى المحبة والرضى
والإرادة يمكن أن نتوصل منها إلى تأويل كل ما يرد من هذا القبيل.
أما المحبوب
والمرضي في حق الله تعالى فليس معناه إلا أنه ممدوح عليه في العاجل ، ومثاب عليه
في الآجل. كما أن المسخوط القابل له ليس معناه إلا نقيض ما ذكرناه. فعلى هذا معني
قوله : (لا يُحِبُّ اللهُ
الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) [النساء : ١٤٨]
وقوله : (لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥]
وقوله : (وَلا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر : ٧] أنه
غير ممدوح ولا مثاب عليه ، وهكذا تأويل كل ما يرد من هذا القبيل.