ثم إنه إما أن
يكون مرسلا إلى من علم الله أنه لا يؤمن ، أو لا يكون مرسلا إليه ، فإن كان مرسلا
إليه فالعقاب على مخالفته ظلم ، وهو قبيح من الحكم العدل.
وزادت التناسخية
على هؤلاء ، فقالوا : الأفعال الإنسانية إن كانت على منهاج قويم ، وسنن مستقيم ،
ارتفعت نفس فاعلها إلى الملكوت ، بحيث تصير نبيا أو ملكا ، وإن كانت أفعاله على منهاج
أفعال الحيوانات ، والتشبه بالسفليات ، والانغماس في الرذائل والشهوات ، انحطت
نفسه إلى درجة الحيوانات أو أسفل منها ، وهكذا على الدوام كلما انقضى عصر ودور ،
وليس ثم عالم جزاء ولا حساب ، ولا كتاب ولا حشر ولا عقاب ، وذلك كله مما عرف
بالعقول ، على طول الدهر ، فلا حاجة بالإنسان إلى من هو مثله ، يحسن له فعلا أو
يقبح له فعلا ؛ إذ لا يزال في فعل يجزى أو في جزاء على فعل ، وهكذا على الدوام.
والطريق
: في الانفصال عن
كلمات أهل الضلال أن يقال : أما ما أشاروا إليه من تعذر علمه بمرسله فبعيد ؛ إذ لا
مانع من أن يعلمه المرسل له أنه هو الله تعالى وذلك بأن يجعل له على ذلك آيات
ودلائل ومعجزات ، بحيث تتقاصر عنها قوى سائر الحيوانات المخلوقات ، أو بأن يكون ما
أنزل إليه وألقى عليه ، يتضمن الإخبار عن الغائبات والأمور الخفيات التي لا يمكن
معرفتها إلا لخالق البريات ، أو بأن يخلق له العلم الضروري بذلك ؛ إن الله على كل
شيء قدير ، وليس المطلوب لهذا الشخص من قبل الله تعالى بمستحيل ، ولا نزول الوحي
إليه مع الأمين جبريل ؛ فإنه غير بعيد أن تشمله العناية من المبدئ الأول ، بتكميل
فطرته وتصفية جوهر نفسه ، وتنقيته ، بحيث يتهيأ لقبول هذه الأسرار ويستعد لدرك هذه
الأنوار ، فيرى ملائكة الله على صور مختلفة ، ويسمع وحيها وحده دون غيره من
الحاضرين ، ويختص به دونهم أجمعين ؛ إن الله تعالى (يَصْطَفِي مِنَ
الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج : ٧٥] ،
وليس ما