عالم الكون والفساد من خير وشر لا يوجد إلا عند حركة كوكب مخصوص ، وذلك مما يوجب إسناده إليه ، وإحالة وجوده عليه. إذ لو كان اتفاقيا لما دام.
ونحن نعلم أنهم لو طولبوا بصحة هذا الاستقراء لم يجدوا إلى إثباته سبيلا ، ثم لو قدرت صحته وأن وقوع الآثار الحادثة ملازم لحركات الكواكب والأفلاك فغير لازم أن تكون هي عللها والأسباب الموجبة لها ، لما أنه لا مانع من أن يكون الخالق والباري هو الله تعالى ، وقد أجرى العادة بوجود الحادثات ووقع التأثيرات عندها. وإن منع بعض الأصحاب من صحة هذا الإطلاق ، بناء على أن ما من جيشين تلاقيا ، أو من نفسين تخاصما ، إلا وقد أخذ الطالع لكل واحد منهما ، ومع ذلك فالمنصور والغالب لا يكون إلا أحدهما ، فلا معلول عليه ؛ إذ لا مانع من القول بخطإ الآخذ للطالع في الحساب أو الحكم. وليس هذا موضع الإطناب ومحو الإسهاب ، والذي يجب الاعتماد هاهنا عليه ليس إلا ما أشرنا إليه.
وأما الطريق :
في الرد على الثنوية القائلين بالنور والظلمة وأنه لا مبدأ للعالم سواهما أن يقال :
إن النور والظلمة بالنظر إلى ذاتيهما واجبان ، أو ممكنان ، أو أحدهما واجب والآخر ممكن : فإن كانا واجبين لزم أن ما شاركهما في نوعيهما أن يكون واجبا ، وأن لا يكون موجودا بعد العدم ، وهو خلاف ما نشاهده من الأنوار والظلم ، وبه يتبين امتناع كون أحدهما واجبا والآخر ممكنا ، فبقي أن يكونا ممكنين.
وعند ذلك إما أن يستند كل واحد منهما في وجوده إلى الآخر أو إلى أمر خارج عنهما : لا جائز أن يقال بالأول ؛ إذ هو دور ممتنع ، ومع كونه ممتنعا فغير مسلم صدور الشر عن الخير والخير عن الشر ، لكون أحدهما خيرا