كيف وأن قولهم إنه
يعلم مبدأه ويعلم ذاته دعوى ، لو سئلوا عن الدليل عليها لم يزد قولهم على أنه
باعتبار ذاته ممكن أن يكون عالما ، والمانع من العلم إنما هو المادة وعلائقها ،
وهى بأسرها منتفية ، فإن ماهيته مجردة عن المادة وعلائقها. وهو أيضا من أقبح
المقالات وأعظم الشناعات. فإن إمكان كونه عالما لا يوجب ولا يؤثر في إيجاب العلم
له ، وإلا كانت جهة الإمكان هي المرجحة لأحد الطرفين وهو ممتنع.
ونفي المانع مما
لا يوجب أيضا ، فإن ثبوت الشيء إنما يستند إلى ما يقتضيه ، أما إلى نفي المانع
والمعارض فكلا. ثم يلزمهم من ذلك مناقضة قولهم : إن الباري ـ تعالى ـ لا يعلم
الجزئيات ، من حيث إن المانع هو المادة وعلائقها ، وقد انتفت في حقه ـ تعالى ـ. ثم
إن كانت هذه الجهات مما توجب الكثرة فلم قيل بانحصار ما صدر عنه في أربعة أشياء؟
ولم لا كانت أزيد من ذلك؟ فإن مثل هذه الجهات لديه أكثر من أن تحصى ، فإذن حاصل ما
ذكروه لا يرجع إلا إلى محض تحكمات باردة ، وخيالات فاسدة ، لا يرضى بها لنفسه بعض
المجانين ، فضلا عمن يزعم أنه من المحصلين.
وأما
المنجمون :
القائلون بصنع
الكواكب والأفلاك ، وأنه لا خالق ولا صانع سواها :
فقد أكثر الأصحاب
في الرد عليهم بأسئلة باردة ، واستفسارات جامدة ، وإلزامات لا ثبوت لها على محك
النظر ، تليق بمناظرة العامة والصبيان ، فسادها يظهر ببديهة العقل لمن له أدنى
تحصيل ، لا يليق أن يطول بذكرها هاهنا. فالسبيل الحق أن يقال لمن زعم منهم أن لا
خالق إلها ولا مبدأ سواها :
إما أن تكون
باعتبار ذواتها واجبة ، أو ممكنة ، أو البعض منها واجب والبعض ممكن : فإن كانت
واجبة فقد سلك الإلهيون في إبطال ذلك طريقة امتناع اجتماع واجبين ، وهي غير مرضية
كما سلف. فالحق أنها لو كانت