ولا يهولنك ما يجعجع به الخصم ويشنع وهو قوله : لو جاز أن يكون مدركا لامتنع أن لا يتعلق به الإدراك مع سلامة آلة الإدراك ، وإلا جاز أن يكون الإنسان بين يديه فيل واقف أو جبل شامخ وهو لا يراه.
فذلك من السفسطة والتجاهل ، لأنه لما وقع الاشتراك في اسم الجواز بين الجواز العقلي والعادي ، ورأى أن من حكم بذلك كان بالنظر إلى العادة مستقيما ظن ذلك واقعا في القطعي أيضا ، وليس كذلك على ما سبق تحقيقه. ثم وكيف ننكر ذلك مع ما قد ورد من الأخبار ، وتواتر من الآثار ، المستندة إلى الشريعة الطاهرة ، والرسالة الظاهرة ، مما أوجب لنا العلم بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم كان يرى جبريل ويسمع كلامه ، عند نزوله عليه ، ومن هو حاضر في مجلسه لا يدرك شيئا من ذلك ، مع سلامة آلة الإدراك.
ومما يلزم المعترف بالنبوات المصدق بالرسالات ، في جواز تعلق الإدراك بالباري تعالى قول الكليم : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ، ولو كان مستحيلا لكان الكليم الأمين على الرسالة ، المصطفى للنبوة ، جاهلا بالله ، ومما يكون لو كان عليه لجاز أن يعتقده جسما أو عرضا أو غير ذلك ، وذلك مما تأباه العقول ومراتب الإمامة ، حيث اعتقد بالله ما لا يليق به ، وذلك كفر. ولا يلزم عليه عدم معرفته لوقوع الرؤية في الدنيا ، فإن الظن بذلك أو الجهل به لا يعد كفرا.
وقوله : (تُبْتُ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] مما لا ينهض شبهة في جواز خطئه وجهله بذلك إذ التوبة قد تطلق بمعنى الرجوع ، ومنه قوله (تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨] أي رجع عليهم بالفضل والإنعام ، وعند ذلك فيحتمل أنه أراد بالتوبة أن لا يرجع إلى مثل تلك المسألة ، لما رأى من الأهوال ، لا لكونه غير جائز في نفسه. يحتمل أنه لما رأى تلك الأهوال تذكر له ذنبا فأقلع عنه بالتوبة ، لا لأن ما سأل عنه ليس جائزا في نفسه. ولا يمكن حمل السؤال على طلب مثل ذلك الجواب لأجل دفع توقعهم في قولهم :