وإذن منه سبحانه ، فهذا الاستشفاع والاستشفاء لا يلازم الاعتقاد بالألوهيّة والربوبيّة ، ولا هو طلبُ فعل الله من غير الله.
يقول القرآن الكريم عن لسان النبيّ عيسى ـ عليهالسلام ـ :
(... وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ ...). (١)
ونفس هذا التوضيح يأتي بالنسبة إلى طلب قضاء الحاجة من أحد أولياء الله أو الاستعانة به ، فطلب قضاء الحاجة له صورتان :
١. الطلب من العبد ـ مع الاعتقاد بقدرته المستقلّة ـ فهذا عبادة.
٢. الطلب من العبد ـ مع الاعتقاد بعبوديّته لله واستمداده منه سبحانه ـ فهذا لا يرتبط بالعبادة أبداً.
إنّ هذا التوضيح ليس فقط الحدّ الفاصل بين العبادة وغيرها ، بالنسبة إلى هذه الأفعال ، بل هو قاعدة عامّة تفصل بين التوحيد والشرك في كلّ المؤثّرات والأسباب.
إنّ الاعتقاد بتأثير «الاسپرين» ـ مثلاً ـ في تسكين الآلام ، إذا كان نابعاً من قدرته المستقلة في ذلك ، وأنّه لا يرتبط بقدرة أعلى ـ وهي الله تعالى ـ فهذا معناه الاعتقاد بألوهيّته ، أمّا الاعتقاد بأنّ الله تعالى هو الّذي جعل هذا الأثر في الاسپرين ، وأنّ هذا الدواء ليس إلّا سبباً لتسكين الآلام ، وأنّه لا يُسكّن الألم إلّا بإذن الله ، فإنّ هذا الاعتقاد نابع من التوحيد ذاته ، لأنّه «لا مؤثّر في الوجود إلّا هو».
ولهذا قلنا : إنّ حسم الخلافات يتوقّف على تحديد معنى «العبادة» وفرز التوحيد من الشرك ، وأفعال الله من غيرها ، والألوهيّة من العبوديّة.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ عرب الجاهليّة كانوا يعتقدون ذلك الاعتقاد الخاطئ ، بأنّ الأصنام هي الّتي تدير بعض شئون الكون إدارة مستقلّة وتملك
__________________
(١) آل عمران : ٤٩.