وقد تعلمون أن كل ذي صناعة ، أو تجارة مما كانت أو بياعة ، قد علم قبل ملابسته لها ودخوله فيها ، ما قصدها وغرضها وما دعا أهلها إليها ، كما قد رأيتم وأيقنتم من حال البنّاء ، الذي قد علم قبل دخوله فيما يريد أن غرض البناء ، رفع السقوف والحيطان ، وعقد العقود والطيقان (١).
وكذلك النجار فيما يريد بعمله من النجارة فقد علم قبل دخوله فيها أن غرضها عمل الكراسي والأبواب وكذلك مثلهما ، في علم غرض (٢) ما يريد غيرهما ، من التجارة والبياع ، فهم في علم غرض التجارة والبيع وما يريدون فيه كالصّنّاع ، قد علم كل تاجر ، من بر أو فاجر ، ما غرض بيعه وتجارته ، علم الصانع بصناعته (٣) ، وعلى قدر علم كل صانع ، وتاجر منهم أو بائع ، يجدّ ويجتهد ، ويسعى ويحتفد ، (٤) فيقل فتوره ، ويجل (٥) سروره.
فلا يكونن أحد منهم فيما يزول عنه ويفنى ، أجد منكم فيما يدوم أبدا ويبقى ، ولا يدخله خسارة ولا نقصان ، ولا وضيعة (٦) ولا خيبة أبدا ولا حرمان ، فإن تقصّروا في ذلك تكونوا أخسر فيما تعدونه من التجارة والصناعة خسرانا منهم ، بعد ما فرق الله في ذلك بينكم وبينهم ، فأعوذ بالله لي ولكم من الخسران المبين ، فإنه عند الله هو الخسران في الدين ، وذلك فهو الخسران والضلال البعيد ، الذي لا يخسره ـ بمنّ الله وإحسانه ـ رشيد.
فمنه يا بني أرشدكم الله فتحرزوا ، وعنه بالله ما بقيتم فتعززوا ، فإنه هو العز الأعز ، والحرز (٧) الحصين الأحرز ، الذي لا يكون معه أبدا ضياع ، ولا يخسر فيه تاجر
__________________
(١) الطيقان : جمع طاق وهو ما عطف من الأبنية فارسي معرب. والطاق أيضا : عقد البناء حيث كان.
(٢) في (ب) : عرض.
(٣) في المخطوطتين : علم الصناع بصناعتهم. ولعل الصواب ما أثبت.
(٤) حفد واحتفد : خف في العمل وأسرع.
(٥) في (أ) : ويحل.
(٦) في المخطوطتين : ولا صنيعة. ولعلها تصحفت. والصواب ما أثبت لأن الوضيعة الخسارة.
(٧) في (ب) : هو العزيز. وفي (ب) : والحصن الحصين.