ثم يسألون أيضا ، فيقال لهم : إذا خلق الكفار كفارا ، أيجوز أن يكون الكفر فعل الكفار؟
فإن قالوا : نعم. قيل لهم : وكذلك يجوز أن يخلق الأبيض أبيض ، ويكون البياض فعله ، ويخلق الأسود أسود ويكون السواد فعله!!
وإن سألوك فقالوا : إذا زعمت أن الله تبارك وتعالى ، خلق العباد للإيمان ، فلم يؤمنوا ، لم لا يجوز أن يخلقهم للموت فلا يموتوا؟
فقل لهم : إنما أعني بقولي : إن الله خلقهم ليفعلوا الايمان ، ولم يخلقهم للموت ليفعلوا الموت ، فهذا فرق ما سألتم عنه.
فإن قالوا : خلقهم للايمان فلا يؤمنون؟
قلنا : نعم. كما أمرهم بالايمان فلم يؤمنوا.
فإن قالوا : فما أنكرتم من أن يخلقهم للايمان كما خلقهم للموت؟
قيل لهم : من قبل : أن معنى قولي : خلقهم للموت ، أريد أن الله خلقهم ليميتهم ويضطرهم إلى ذلك ، فلو كان خلقهم للايمان كما خلقهم للموت كانوا كلهم مؤمنين ، كما كانوا كلهم يموتون ، ولو كان ذلك كذلك ، لم يجز أن يأمرهم بالإيمان ، ولا ينهاهم عن المنكر والكفر ، كما لا يجوز أن يأمرهم بالحياة ، ولا ينهاهم عن الموت ، ولا يجبرهم على شيء من ذلك ، ولا يثيبهم به. فمن هاهنا أنكرنا ما ذكرتم. ثم يقال لهم : إذا زعمتم أن الله خلق الناس كفارا ، فمن جاء بالكفر؟ من خلقه؟! أو من لم يخلقه؟!
فإن قالوا : من خلقه يقال لهم : فما معنى قوله : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢)) [مريم : ٨٩ ـ ٩٢]. وقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف : ٧٤]. فهل يكون هذا على معناكم وأصلكم ومذهبكم إلا كذبا؟! لأنكم زعمتم أن الله تبارك وتعالى ، جاء به. وقال للكفار : أنتم الذين جئتم به. فلو أردتم تصفون ربكم بالكذب كيف كنتم تقولون؟! وهل يجوز هذا عندكم؟! وفي عقولكم أن يكون للصادق أن يفعل شيئا ، ثم يقول لغيره : أنت فعلته!