أن المؤثّر بعيد الشبه عن مؤثره ، وأن من ولي تصوير المصوّر متعال عن مساواة مصوّره ، وأنه إن قرب من الشبه منه ، أو لم يفرّق بينه ـ جل ثناؤه ـ وبينه ، في كل معنى من معانيه ، وفيما جلّ أو دقّ مما فيه ، جعل كهو في عجزه ومقاديره ، وذلّ ضعفه وتأثيره ، وعاد المؤثّر مؤثّرا ، ومصوّر الأشياء مصوّرا ، فأثبتوا على المؤثّر سمة المؤثّرين ، وأضافوا إلى الله تعالى ذلة تصوير المصوّرين ، وكان في قولهم ، وما سلكوا من سبيلهم ، (١) المؤثّر مؤثّرا ، ومصوّر الأشياء مصوّرا ، وصانعها مصنوعا ، ومصنوعها صانعا ، وبديعها مبتدعا ، ومبتدعها بديعا.
وهذا من قول القائلين ، ومعمد جهل الجاهلين ، عين متناقض المحال ، ونفس متدافع الأحوال ، الذي لا يقوم له في الأوهام صورة ، ولا من فطر معقولات الأقوال فطرة ، وفي ذلك أن تكون الأشياء موجودة لا موجودة ، ومفقودة في الحال التي وجدت فيها لا مفقودة ، وصار المخلوق لا مخلوقا ، والخالق في قولهم لا خالقا ، فتعالى ـ العلي الأعلى ، الذي نهج إلى معرفته سبلا ذللا ، ـ عما وصفه به المشبهون ، وافترى في التشبيه به المفترون ، ونحمده على ما عرفنا به من الفرق ، فيما بينه وبين جميع الخلق ، ونعوذ به من جهل ما جهل من (٢) توحيده ، ونستعينه على ما ألهمنا من شكره وتمجيده ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما.
وأما مذهبه في العاديات وعيبها ، لجهله بشا هدها وغائبها ، فغير مستنكر منه ، قاتله الله ولعنه ، فقد تكون العاديات من العدوان والغي ، وتكون العاديات من العدو والسعي ، ثم لكل ما كان من ذلك وجوه شتى ، يرى (٣) ما بينها من يعقل متفاوتا ، والضبح أيضا فألوان مختلفة ، وكل ما ذكر في السورة فله وجوه متصرفة ، يعرفها من عرّفه الله إياها ، ويوجد علمها عند من جعله الله مجتباها ، (٤) فليقصر من عمي عنها في عماه ، فإن العميّ لا يعلم الظاهر ولا يراه ، كيف يعلم خفي ما بطن من الأسرار ، التي
__________________
(١) في (ب) و (د) : سبلهم.
(٢) في (د) : من جهل من جهل.
(٣) في (أ) و (ج) : ما يرى.
(٤) المجتبي : المختار.