ولو فرضنا أن حزبا ما ، تقدم إلى الناس وقد أضاف إلى جملة المواد التي تبين للجماهير منهاجه وتوضح أغراضه ، مادة أخرى تصرّح أو تلمّح ، بأن لكل منتم للحزب ألا يعمل بمبادئه وألا يتقيد بتعاليمه ، لقال الناس أجمعون : هذا هو العبث والمجون!
فكيف نتهم الإسلام بأنه يحمل في ثناياه ما يهدمه؟
وكيف ننطلق إلى نصوصه نبحث بينها عن (المادة) التي تبيح الخروج عليه واللعب به؟
وكيف ندعي أن الأعمال أمر كماليّ بحت ، لا يضير نقصانه؟
أولئك هم الحمقى : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأعراف : ٥١].
وعلى رءوسهم يقع التفريط الهائل في إقامة حدود الله وأداء فرائضه.
وما أصاب المسلمين من كوارث ونكبات عند ما فهموا دينهم على ذلك النحو الأبتر.
أمة تعتبر العمل من (الكماليات) الخفيفة ، كيف يقوم لها دين؟ أو تقوم بها دنيا؟
إن الله ـ عزوجل ـ جعل العمل رسالة الوجود ووظيفة الأحياء ، وجعل السباق في إحسانه سر الخليقة ودعامة الحساب.
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (٢) [الملك : ٢].
وما من آية في كتاب الله ذكرت الإيمان مجردا ، بل عطفت عليه عمل الصالحات ، أو تقوى الله ، أو الإسلام له ، بحيث أصبحت صلة العمل بالإيمان آصرة لا يعروها وهن.
فإذا عقدت مقارنة بين الهدى والضلال ، جعل الإيمان والعمل جميعا في كفة ، وجعل الكفر في الكفة الأخرى.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) [غافر : ٥٨].