مع أنفسكم ، وأهلي مع أهليكم فلكم فيّ أسوة ، وان لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم ، والمغرور من اغتر بكم فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم ، ومن نكث فانّما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وخطب بدي حسم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : انّه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وان الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها واستمرّت جذّاء فلم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. الا ترون ان الحقّ لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فانّي لا أرى الموت إلّا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما.
فقام زهير بن القين البجليّ فقال لاصحابه : تكلّمون أم أتكلّم؟ قالوا لا بل تكلّم فحمد الله فأثنى عليه ، ثمّ قال : قد سمعنا ـ هداك الله يا ابن رسول الله ـ مقالتك ، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين إلّا انّ فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الاقامة فيها. فدعا له الحسين ثمّ قال له خيرا ، وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له : يا حسين إنّي أذكرك الله في نفسك فإنّي اشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين : أفبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله (ص) فقال له : اين تذهب فانك مقتول! فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى |
|
إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما |
وآسى الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مثبورا يغش ويرغما |
فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه ، وكان يسير باصحابه في ناحية وحسين في ناحية اخرى ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن