عليها ، وهو أسمر نحيف خفيف العارضين ، فشغل قلبي الفكر فيه ، وأنا في ذلك الطواف إذ مرت بي عجوز من عجائز أهل المدينة تطوف ، فلما وقعت عينها عليه أتته ، فقالت : بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله ، الحمد لله الذي أرانيك في هذا الموضع آمنا.
فلما عرفه الناس ازدحموا عليه فمد يده إلى نعله فانتعلهما (١) ، وخرج من المسجد إلى منزله.
قال أبو إسحاق إبراهيم بن رباح (٢) في حديثه : سمعت عبد الله بن محمد بن الزبير ، وكان أبوه خاصة الرشيد ، وذلك أنه كان صاحب رقيق بالمدينة ، وكان الرشيد يبتاع منه الجواري (٣) ، فصار عدة منهن أمهات أولاد ، وكان الفضل بن الربيع يأنس به.
قال إبراهيم : فحدثني عبد الله ، عن أبيه قال : دخلت مع الفضل يوما إلى الرشيد ، فرأيت يحيى بن عبد الله (٤) بين يديه ، والرشيد يقرعه ويعتد عليه بأشياء ، وفي كم يحيى بن عبد الله كتب ، فجعل يحيى يدخل يده فيخرج كتابا ، ثم يناوله الرشيد ، ويأخذ بطرفه ، ويقول : اقرأ هذا يا أمير المؤمنين فإذا أتى على قراءته أدخله كمه ، وأخرج كتابا آخر ففعل مثل ذلك ، قال : واعلم أن تلك الكتب حجج ليحيى ، فعرض لي أن تمثلت بقول الشاعر :
أنا أتيحت له حرباء تنضبة |
|
لا يرسل الساق إلّا ممسكا ساقا |
قال : فأقبل عليّ الرشيد مغضبا ، فقال : تؤيده وتلقنه وتؤازره؟
فقلت : لا والله يا أمير المؤمنين ما هكذا أنا ولا كنت على هذا قط ، ولكني رأيته فعل شيئا في هذه الكتب أذكرني هذا الشعر ، يناول الكتاب فلا يخليه في يدك ، ويمسك طرفه بيده ، ثم يرده إلى كمه ، ويخرج غيره ، فأذكرني هذا البيت.
__________________
(١) في (أ، د) : نعله فانتعلها.
(٢) أبو إسحاق هو إبراهيم بن رباح ، يروي عن عبد الله بن محمد بن الزبير السالف الذكر ، كان والده من خاصة الرشيد ، إذ كان أحد تجار الرقيق بالمدينة ، وكان الرشيد يبتاع منه الجواري ، ولم نقف على مزيد من أخباره غير ما هنا.
(٣) نهاية الصفحة [٢٩١ ـ أ].
(٤) ورد الاسم في (ج) : يحيى بن عبد الله بن زيد ، وهو تصحيف.