شيئا ، وفي ذلك تكذيب قوله : «الأب يخلق ، وأنا أخلق». وقال : «إن أنا لم أعمل عمل أبي فلا تصدقوني» وقال : «كما أن الأب يحيي من يشاء ويميته كذلك الابن يحيي من يشاء ويميته» قالوا فدل على أنه يحيي ويخلق ، وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق وإنما خلقت الأشياء به دون أن يكون خالقا. وأما قولك : إن الأشياء كونت به فانا لما قلنا لا شك أن المسيح حي فعال وكان قد دل بقوله : «إني أفعل الخلق والحياة» كان قولك به كونت الأشياء إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها وكانت به مكونة ، ولو لم يكن ذلك لتناقض القولان. قال : وأما قول من قال من أصحاب أريوس : أن الأب يريد الشيء فيكونه الابن والإرادة للأب والتكوين للابن فإن ذلك يفسد أيضا إذا كان الابن عنده مخلوقا ، فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من حظ الخالق فيه ، وذلك أن هذا أراد وفعل وذلك أراد ولم يفعل فهذا اوفر حظا في فعله من ذلك ، ولا بد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك بمنزلة كل فاعل من الخلق لما يريد الخالق منه ، ويكون حكمه كحكمه في الخير والاختيار ، فان كان مجبورا فلا شيء له في الفعل ، وإن كان مختارا فجائز أن يطاع وجائز أن يعصي ، وجائز أن يثاب وجائز أن يعاقب. وهذا أشنع في القول ، ورد عليه أيضا وقال : إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق والمخلوق غير الخالق بلا شك فقد زعمتم أن الخالق يفعل بغيره والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به إذ كان لا يتم له الفعل إلا به ، والمحتاج إلى غيره منقوص والخالق متعال عن هذا كله. قال فلما دحض بترك الإسكندرية حجج أولئك المخالفين وظهر لمن حضر بطلان قولهم ، وتحيروا وخجلوا فوشوا على بترك الإسكندرية فضربوه حتى كاد يموت ، فخلصه من أيديهم ابن أخت قسطنطين ، وهرب بترك الإسكندرية وصار إلى بيت المقدس من غير حضور أحد من الأساقفة ، ثم أصلح دهن الميرون وقدس الكنائس ومسحها بدهن الميرون ، وسار إلى الملك فأعلمه الخبر فصرفه إلى الإسكندرية. قال ابن البطريق : وأمر الملك أن لا يسكن يهودي ببيت المقدس ولا يجور بها ومن لم يتنصر قتل ، فظهر دين النصرانية وتنصر من اليهود خلق ، فقيل للملك : إن اليهود يتنصرون من خوف القتل وهم على دينهم ، فقال كيف لنا أن نعلم ذلك منهم؟ فقال بولس البترك : إن الخنزير في التوراة حرام واليهود لا يأكلون لحم الخنزير ، فأمر أن تذبح الخنازير ويطبخ