وتصدق به قبل مبعثه ، فلما بعث كفروا به بغيا وحسدا وشردوه في البلاد وطردوه وحبسوه وهموا بقتله مرارا إلى أن أجمعوا على القبض عليه وعلى قتله فصانه الله وأنقذه من أيديهم ، ولم يهنه بأيديهم ، وشبه لهم بأنهم لبوه ولم يصلبوه ، كما قال تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً ، بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ، وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء : ١٥٦ ـ ١٥٧] وقد اختلف في معنى قوله : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ). [النساء : ٥٧] ، فقيل المعنى ولكن شبه للذين صلبوه بأن ألقى شبهه على غيره فصلبوا الشبه ، وقيل المعنى ولكن شبه النصارى أي حصلت لهم الشبهة في أمره وليس لهم علم بأنه ما قتل وما صلب ، ولكن لما قال أعداؤه إنهم قتلوه وصلبوه واتفق رفعه من الأرض وقعت الشبهة في أمره ، وصدقهم النصارى في صلبه لتتم الشناعة عليهم ، وكيف ما كان فالمسيح صلوات الله وسلامه عليه لم يقتل ولم يصلب يقينا لا شك فيه.
ثم تفرق الحواريون في البلاد بعد رفعه على دينه ومنهاجه يدعون الأمم إلى توحيد الله ودينه والإيمان بعبده ورسوله ومسيحه ، فدخل كثير من الناس في دينه ما بين ظاهر مشهور ومختف مستور ، وأعداء الله اليهود في غاية الشدة والأذى لأصحابه وأتباعه ، ولقي تلاميذ المسيح وأتباعه من اليهود ومن الروم شدة شديدة من قتل وعذاب وتشريد وحبس وغير ذلك ، وكان اليهود في زمن المسيح في ذمة الروم وكانوا ملوكا عليهم ، وكتب نائب الملك ببيت المقدس إلى الملك يعلمه بأمر المسيح وتلاميذه وما يفعل من العجائب الكثيرة من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، فهمّ أن يؤمن به ويتبع دينه فلم يتابعه أصحابه ، ثم هلك وولى بعده ملك آخر فكان شديدا على تلامذة المسيح.
ثم مات وولى بعده آخر ، وفي زمنه كتب «مرقس» إنجيله بالعبرانية ، وفي زمانه صار إلى الإسكندرية فدعا إلى الإيمان بالمسيح ، وهو أول شخص جعل بتركا على الإسكندرية ، وصير معه اثني عشر قسيسا على عدة نقباء بني إسرائيل