فيكون الرب عليها
شاهدا ، ويخرج من موضعه ، وينزل ، ويطأ على مشارق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب»
.. قيل لكم هذا السفر يحتج أولا إلى أن يثبت أن الذي تكلم به نبي ، وأن هذا لفظه ،
وأن الترجمة مطابقة له وليس ذلك بمعلوم. وبعد ذلك فالقول في هذا الكلام كالقول في
نظائره مما ذكرتموه وما لم تذكروه ، وليس في هذا الكلام ما يدل على أن المسيح خالق
السموات والأرض ، وأنه إله حق غير مصنوع ولا مخلوق ، فإن قوله : «أن الله سيسكن مع
الناس في الأرض» هو مثل كونه معهم ، وإذا صار في الأرض نوره وهداه ودينه ونبيه
كانت هذه سكناه لا أنه بذاته المقدسة نزل عن عرشه وسكن مع أهل الأرض ، ولو قدر
تقدير المحالات أن ذلك واقع لم يلزم أن يكون هو المسيح ، فقد سكن الرسل والأنبياء
قبله وبعده ، فما الموجب لأن يكون المسيح هو الإله دون إخوانه من المرسلين؟! أترى
ذلك للقوة والسلطان الذي كان له وهو في الأرض ، وقد قلتم أنه قبض عليه وفعل به ما
فعل من غاية الإهانة والإذلال والقهر ، فهذا ثمرة سكناه في الأرض مع خلقه فإن قلتم
سكنه وفي الأرض هو ظهوره في ناسوت المسيح. قيل لكم أما الظهور الممكن المعقول وهو
ظهور محبته ومعرفته ودينه كلامه فهذا لا فرق فيه بين ناسوت المسيح وناسوت سائر
الأنبياء والمرسلين ، وليس في اللفظ على هذا التقدير ما يدل على اختصاصه بناسوت
المسيح ، وأما الظهور المستحيل الذي تأباه العقول والفطر والشرائع وجميع النبوات
وهو ظهور ذات الرب في ناسوت مخلوق من مخلوقاته واتحاده به ، وامتزاجه واختلاطه
فهذا محال عقلا وشرعا ، فلا يمكن أن تنطق به نبوة أصلا ، بل جميع النبوات من أولها
إلى آخرها متفقة على أصول.
[المثلثة خالفت أصول الأنبياء في تقديس الله ووصفه بصفات الكمال]
(أحدها) أن الله سبحانه وتعالى قديم واحد لا شريك له في ملكه ولا
ند ولا ضد ولا وزير ولا مشير ولا ظهير ولا شافع إلا من بعد إذنه. «الثاني» أنه لا
والد له ولا ولد ولا كفؤ ولا نسيب بوجه من الوجوه ولا زوجة. «الثالث» أنه غني
بذاته فلا يأكل ولا يشرب ولا يحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه خلقه بوجه من الوجوه. «الرابع»
أنه لا يتغير ولا تعرض له الآفات من الهرم والمرض والسّنة