يبطلوا أعمالهم بالشرك والرياء والمعاصي والمراد من إبطال الأعمال أي حرمانهم من ثوابها. ثم أعلمهم مذكرا واعظا لهم فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بالله ورسوله (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي عن الإسلام بأي سبب من الأسباب (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) قبل أن يتوبوا. فهؤلاء (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ويعذبهم العذاب المعد لأمثالهم وقوله تعالى (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا (١) إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ (٢) الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يضعفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين ويدعوا الكافرين إلى الصلح والمهادنة وهم أقوياء قادرون وهو معنى قوله وأنتم الأعلون أي الغالبون القاهرون. ولن (٣) يتركم أعمالكم أي لا ينقصكم أجر أعمالكم بل يجزيكم بها ويزيدكم من فضله وقوله (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) هذه حقيقة وهي أن الحياة الدنيا إن أقبل عليها العبد ناسيا الدار الآخرة مقبلا على الدنيا لن تكون في حقه إلا لهوا ولعبا باعتبار أنه لم يظفر منها على طائل ولم تعد عليه بعائد خير وإسعاد كاللاعب اللاهي بشيء يلعب ويلهو فترة ثم لا يعود عليه ذلك اللعب بشيء كلعب الصبيان ولهوهم فإنهم يلهون ويلعبون بجد ثم يعودون إلى والديهم يطلبون الطعام والشراب. وقوله (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) أي الإيمان الصحيح (وَتَتَّقُوا) ما يغضب ربكم ويسخطه عليكم من الشرك والمعاصي (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) المترتبة على الإيمان والتقوى. وقوله (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) أي ولا يطلب منكم أموالكم كلها أي كراهة إحفائكم بذلك (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) (٤) (فَيُحْفِكُمْ) أي بكثرة الإلحاح عليكم (تَبْخَلُوا) إذ هذا معروف من طباع البشر أن الإنسان إذا ألح وألحف عليه في الطلب يبخل بالمال ولم يعطه وقد يترك الإسلام لذلك ، وقوله (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أي أحقادكم وبغضكم للدين وكراهيتكم له ولذا لم يسألكم أموالكم وقوله تعالى : (٥) (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ (٦) لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي جزءا من أموالكم في الزكاة أو الجهاد لا كل أموالكم لما يعلم تعالى من شح النفس بالمال وقوله (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) أي يمنع ومن يبخل فإنما يبخل (٧) عن نفسه إذ هي التي حرمها أجر النفقة في سبيل الله ذات الأجر العظيم وقوله (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ
__________________
(١) الفاء للتفريع.
(٢) و (الْأَعْلَوْنَ) معناه الغالبون المنتصرون.
(٣) أي : لا ينقصكم ، ومنه الموتور : الذي قتل له قتيل ، وفي الحديث الصحيح : (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله).
(٤) يقال : أحفى في المسألة وألح بمعنى واحد.
(٥) (ها) : حرف تنبيه ، وفي إعراب الجملة وجهان الأول : وهو أن يكون (أَنْتُمْ) مبتدأ ، و (هؤُلاءِ) منادي معترض ، و (تُدْعَوْنَ) الخبر ، والثاني : أن يكون (أَنْتُمْ) مبتدأ و (هؤُلاءِ) خبره ، وجملة : (تُدْعَوْنَ) مستأنفة مؤكدة ومقررة لما سبق.
(٦) أي : في الحال وجائز أن يدعو في المستقبل ، إذ الجهاد مستمر والحاجة إلى الإنفاق لا تنقطع ، سبيل الله : المراد بها الجهاد وهي كل ما يوصل إلى مرضاة الله تعالى.
(٧) يجوز في (يَبْخَلُ) أن يعدى بعن وبعلى يقال : بخل عليه بكذا أو بخل عنه بكذا أو يضمّن معنى أمسك ، وحينئذ فتعديته بعلى نحو : أمسك عليك لسانك.