معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تربية المؤمنين وتهذيبهم ليكملوا ويسعدوا فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا الله ورسوله (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) أي إذا قال لكم الرسول صلىاللهعليهوسلم أو غيره توسعوا (١) في المجلس ليجد غيركم مكانا بينكم فتوسعوا ولا تضنوا بالقرب من الرسول أو من العالم الذي يعلمكم أو المذكر الذي يذكركم وإن أنتم تفسحتم أي فإن الله تعالى يكافئكم فيوسع عليكم في الدنيا بسعة الرزق وفي البرزخ في القبر وفي الآخرة في غرفات الجنان.
وقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) (٢) أي قوموا من المجلس لعلة أو للصلاة أو للقتال أو لفعل بر وخير فانشزوا أي خفوا وقوموا يئبكم الله فيرفع الله الذين آمنوا منكم (٣) درجات بالنصر والذكر الحسن في الدنيا وفي غرف الجنة في الآخرة (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون درجات عالية لجمعهم بين الإيمان والعلم والعمل.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يذكرهم تعالى بعلمه بهم في جميع أحوالهم ليراقبوه ويكثروا من طاعته ويحافظوا علي تقواه.
وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أمرهم تعالى إذا أراد أحدهم أن يناجى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويكلمه وحده أن يقدم صدقة أولا ثم يطلب المناجاة وكان هذا لمصلحة الفقراء أولا ثم للتخفيف (٤) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ كل مؤمن يود أن يخلو برسول الله صلىاللهعليهوسلم ويقرب منه ويكلمه والرسول بشر لا يتسع لكل أحد فشرع الله هذه الصدقة فأعلمهم أنه يريد التخفيف عن رسوله. فلما علموا ذلك وتحرجوا من بذل صدقة وأكثرهم فقراء
__________________
(١) قال قتادة : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض ، وروي عن ابن عباس أن هذا في صفوف القتال إذ كانوا يتشاحون على الصف الأول فأمروا بالفسح لبعضهم حتى يتمكنوا من الوقوف في الصف الأول مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم واللفظ عام يشمل هذا وذاك. قال القرطبي : والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر سواء كان مجلس حرب أو علم أو ذكر أو مجلس صلاة كيوم الجمعة وفي الحديث الصحيح : (نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا).
(٢) قال قتادة : المعنى : أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف ، والنشز : الارتفاع مأخوذ من نشز الأرض وهو ارتفاعها ، ومنه قيل للمرأة التي تترفّع على زوجها ناشز.
(٣) في الآية مدح لأهل العلم : قاله ابن مسعود وفي الحديث : (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب). وقيل لعمر رضي الله عنه في مولى استخلفه فقال : إنه قارىء لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض أما إن نبيكم صلىاللهعليهوسلم قد قال : (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع آخرين) وعن ابن عباس : خيّر سليمان بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه.
(٤) قال ابن عباس : نزلت بسبب أن المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن رسوله فأنزل هذه الآية فلما نزلت كفّ الناس.