(ذلِكَ) : أي المذكور من عذاب النار.
(يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) : أي يا من أنا خالقهم ورازقهم ومالكهم وما يملكون فلذلك اتقون بالإيمان والتقوى.
معنى الآيات :
لقد تضمنت هذه الآيات الخمس توجيهات وإرشادات ربّانيّة للمؤمنين والرسول صلىاللهعليهوسلم ففي الآية الأولى (١٠) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمؤمنين اتقوا ربكم أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية وذلك بطاعته وطاعة رسوله ، ويعلمهم معللا أمره إياهم بالتقوى بأن للذين أحسنوا الطاعة المطلوبة منهم الجنة ، كما يعلمهم أنهم إذا لم يقدروا على الطاعة بين المشركين فليهاجروا إلى أرض يتمكنون فيها من طاعة الله ورسوله فيقول (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) أي فهاجروا فيها ويشجعهم على الهجرة لآجل الطاعة فيقول (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) (١) أي على الاغتراب والهجرة لأجل طاعة الله والرسول (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بلا كيل ولا وزن ولا عد وذلك لأنه فوق ذلك. وفي الآية الثانية (١١) والثالثة (١٢) يأمر تعالى رسوله موجها له بأن يقول للناس (إِنِّي أُمِرْتُ) أي أمرني ربي أن أعبد الله باعتقاد وقول وفعل ما يأمرني به وترك ما ينهاني عنه من ذلك مخلصا له الدين ، فلا اشرك في دين الله أحدا أي في عبادته أحدا ، كما أمرني أن أكون أول المسلمين في هذه الأمة أي أوّل من يسلم قلبه وجوارحه الظاهرة والباطنة لله تعالى وفي الآيات الرابعة (١٣) والخامسة (١٤) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول للمشركين (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) ، فرضيت بعبادة غيره وأقررتها (عَذابَ (٢) يَوْمٍ عَظِيمٍ) كما يأمره أن يقول الله أعبد أي الله وحده لا شريك له أعبد حال كوني مخلصا له ديني. وأما انتم أيها المشركون إن أبيتم التوحيد فاعبدوا ما شئتم (٣) من آلهة دونه تعالى ويأمره أن يقول لهم إن الخاسرين بحق ليسوا أولئك الذين يخسرون دنياهم فيفقدون الدار والبعير أو المال والأهل والولد بل هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم (٤) القيامة ، وذلك
__________________
(١) وفسر بعضهم الصبر بالصوم وحقا الصوم من الصبر وحسب الصوم أجرا أن يقول الله تعالى «الصوم لي وأنا أجزي به». الا أن الآية عامة في الصبر في مواطنه الثلاث وهي صبر على الطاعات وصبر دون المعاصي وصبر على البلاء. ومن ذلك الهجرة إلى دار الإسلام.
(٢) ذهب بعضهم إلى أن الآية منسوخة بقوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ولا معنى لهذا النسخ إذ النسخ لا يكون في الأخبار. وانما الآية من باب الفرض والتقدير إذ الرسول معصوم ولا يعصي وإذا لا خوف عليه وإنما من باب طلب الهداية للآخرين قال له قل هذا.
(٣) الأمر هنا للتهديد والوعيد والتوبيخ وليس للإذن بعبادة غير الله إذ القرآن كله نزل ليعبد الله تعالى وحده ولا يعبد معه سواه فكيف يأذن بعبادة ما شاءوا من آلهة.
(٤) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال ما من أحد إلا وخلق الله له زوجة في الجنة فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله. وهو كذلك لقوله تعالى أولئك هم الوارثون أي يرث المسلم الكافر يرثه في أهله ومكانه في الجنة وسبب الإرث الإيمان والتقوى بإذن الله تعالى.