وظلمهم وطغيانهم فيقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) (١) إنه كما لم يخلف رسله الأولين لا يخلفك أنت ، إنه لا بد منجز لك ما وعدك من النصر على أعدائك فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) (٢) أي غالب لا يغلب غالب على أمره ما يريده لا بد واقع (ذُو انتِقامٍ) شديد ممن عصاه وتمرد على طاعته وحارب أولياءه ، واذكر (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) (٣) كذلك (وَبَرَزُوا) أي ظهروا بعد خروجهم من قبورهم في طريقهم إلى المحشر إجابة منهم لدعوة الداعي وقد برزوا (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ) يا رسولنا تراهم (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٤) مشدودة أيديهم وارجلهم إلى أعناقهم ، هؤلاء هم المجرمون اليوم بالشرك والظلم والشر والفساد أجرموا على أنفسهم أولا ثم على غيرهم ثانيا سواء ممن ظلموهم وآذوهم أو ممن دعوهم إلى الشرك وحملوهم عليه ، الجميع قد أجرموا في حقهم ، (سَرابِيلُهُمْ) (٥) قمصانهم التي على أجسامهم (مِنْ قَطِرانٍ) وهو ما تدهن به الإبل : مادة سوداء محرقة للجسم أو من نحاس إذ قريء من قطرآن أي من نحاس أحمي عليه حتى بلغ المنتهى في الحرارة (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أي وتغطي وجوههم النار بلهبها ، هؤلاء هم المجرمون في الدنيا بالشرك والمعاصي ، وهذا هو جزاؤهم يوم القيامة ، فعل تعالى هذا بهم (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) فما بين أن وجدوا في الدنيا وبين أن انتهوا إلى نار جهنم واستقروا في أتون جحيمها الا كمن دخل
__________________
(١) (مُخْلِفَ) مفعول ثان لحسب ، و (وَعْدِهِ) : مجرور بالإضافة ، و (رُسُلَهُ) : معمول لمخلف مؤخر ، والأصل : مخلف رسله وعده ، وقدّم الوعد للاهتمام به.
(٢) جملة تعليلية للنهي عن حسبان خلف وعده تعالى.
(٣) الآية نصّ صريح في كون الأرض والسموات تتبدل في ذاتها وسائر صفاتها وتزول تماما ويخلق الله تعالى أرضا غير ذي وسماء غير هذه ، وفي الحديثين الآتيين ما يقرّر ذلك :
أ ـ حديث مسلم ، وفيه : (إنّ يهوديا سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : أين يكون الناس يوم تبدلّ الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال : في الظلمة دون الجسر).
ب ـ حديث ابن ماجه بإسناد مسلم قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) فأين يكون الناس يومئذ؟ قال على الصراط).
(٤) الأصفاد : جمع صفد بفتح كل من الصاد والفاء ، وهو الغلّ والقيد يشد به ويربط الجاني قال الشاعر :
فآبوا بالنهاب وبالسبايا |
|
وأبنا بالملوك مصفّدين |
(٥) واحد السرابيل : سربال ، وهو القميص ، يقال : تسربل ، إذا لبس السربال وكونها من قطران لشدّة حرارتها ، واشتعال النار فيها.